سورة المؤمنون 023 - الدرس (6): تفسير الآيات (062 – 072)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة المؤمنون 023 - الدرس (6): تفسير الآيات (062 – 072)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة المؤمنون

New Page 1

تفسـير القرآن الكريم ـ سـورة المؤمنون- (الآيات: 062 - 072)

02/07/2011 17:41:00

تفسير سورة المؤمنون (023)
الدرس (6)
تفسير الآيات (62 – 72)
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ... مع الدرس السادس من سورة المؤمنون ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
 
 
 
 
﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
حقيقة الخيرات :
 ليست الخيرات أن تحوز المال في الدنيا ، وأن تحوز البنين ، ولكن الخير أن تستقيم على أمر الله ، وأن تتقرب إليه كي تنال سعادة الدنيا والآخرة ، هذا تكلمنا عنه في الدرس الماضي ، واليوم يقول الله سبحانه وتعالى :
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
( سورة المؤمنون : آية " 62 " )
التكليف مع رفع الحرج :
ربنا سبحانه وتعالى لم يكلفنا تكليفاً فيه حَرَجٌ ، فلم يكلفنا أن نعتقد مثلاً ما لا دليلَ عليه ، لقد نصب الأدلة الكافية على وجوده ، ونصب الأدلة الكافية على ربوبيَّته ، ونصب الأدلة الكافية على ألوهيَّته ، وجعل الكون كله تعبيراً عن أسمائه الحُسنى وصفاته الفُضلى ، على كل شيءٍ أمرنا أن نعتقده ألف دليلٍ ودليل ، ألف ألْف دليل ، ألفُ أَلفُ ألفِ دليل ، فلو أن الله سبحانه وتعالى كلَّفنا أن نعتقد ما لا دليل عليه لوقعنا في حرج ، لو أن في دينه تناقضاً لوقعنا في حرج ، لو أن في قرآنه خللاً لوقعنا في حرج ، ولكن هذا القرآن الذي أنزله الله على النبي عليه الصلاة والسلام لا اختلاف فيه ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
أنواع التكليف :
1 - التكليف الاعتقادي :
نحن كُلفنا أن نعتقد بوجود الله ، وبربوبيَّته ، وبألوهيَّته ، وبأسمائه الحُسنى وصفاته الفُضلى ، والكون كله يؤكِّد هذه الحقيقة ، لذلك إذا أمرنا أن نؤمن به فما أكثر الآيات الدالَّة عليه ، إذا أمرنا أن نؤمن بعظمته فالكون كله ينطق بعظمته ، إذا أمرنا أن نؤمن برسوله فالنبي عليه الصلاة والسلام صفوةُ خلقه ، لو أمرنا أن نؤمن برسوله ولم يكن هذا النبي الكريم في المستوى المطلوب لوقعنا في حَرَجٍ ، لكن هذا رسولي وهو قِمَّة البشر ، في الكمال والعلم ، والعصمة والتبليغ ، فربنا سبحانه وتعالى قال :
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
2 - التكليف التعبدي :
أما تكليف العبادات فجعل الصلاة لا تزيد عن ركعات ، فلو أن الصلاة عشرين ركعة في كل وقت لكان في هذا التكليف حَرَجاً علينا ، الصلاة أربع ركعات ، أو ركعتان ، أو ثلاث ، هذا هو الفرض ، ولك أن تقرأ في كل ركعة ما تيسَّر من كتاب الله ، فلذلك ليس هناك تكليفٌ حرجيٌ في العبادات ، والصوم ثلاثون يوماً في السنة ، أياماً معدودات ، فلو كان الصوم ستين يوماً لكان عبئاً على الجسم ، فربنا سبحانه وتعالى هو الخالق ، وهو يعلم الأيام المعدودة التي تناسب الصيام ، لم يكن في أمره تكليفٌ حرجي ، ولا في الزكاة لم يقل : أعطوا كل أموالكم ، ولا أعطوا نصف أموالكم ، ولا ربع أموالكم ، واحد في الأربعين ، اثنان ونصف في المئة ، شيء مقبول ضمن الوسع ، وكذلك الحج قال :
﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾
( سورة آل عمران : آية " 97 " )
فمن لم يستطع فلا حج عليه ، إذاً عندما قال ربنا عزَّ وجل :
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
ليس في تكليف الاعتقاد ، ولا في تكليف العبادات ، ولا في تكليف المعاملات ما يُحْرِج ، فربنا عزَّ وجل قال :
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾
( سورة الشورى : آية " 40 " )
﴿ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾
( سورة البقرة : آية " 194 " )
هذا التكليف يَسَع الخلق كلهم ..
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
( سورة الشورى : آية " 40 " )
3 - التكليف في المعاملات :
فحتى في المعاملات ، حتى في البيع ، وفي الشراء لم يكلفنا تكليفاً حرجاً ، التكليف من وسع الإنسان ، لذلك الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة يقول :
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾
( سورة البقرة : آية " 286 " )
 هذه الأوامر وتلك النواهي بإمكان كل إنسانٍ في كل زمانٍ ومكانٍ أن يطبِّقها في بحبوحة ، ويقول الناس : والله هذا شيءٌ صعب ، هذا كلام خلاف كلام الله عزَّ وجل ، ما كان الله عزَّ وجل ليكلفنا بما هو شاق ، أحياناً الصلاة غير شاقَّة ، ولكنها تُصْبِحُ في بعض الحالات شاقة كما هي على المريض ، فربنا سبحانه وتعالى رفع الحرج .
﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾
( سورة النور : آية " 61 " )
لك أن تصلِّي قاعداً ، لك تصلي مستلقياً ، لك أن تصلي بالإيماء ، إذا كان الماء يؤذيك فلك أن تتيمم ، إذا كان غُسل الجنابة يؤذيك فلك أن تتوضأ، الأمر كلما ضاق اتسع ، هذه قاعدة في أصول الفقه ، كلما ضاق الأمر اتسع ، فلذلك :
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
فأحياناً الأب يتعنت في تزويج ابنته ، الشرع دقيق جداً ، تستطيع هذه الفتاة أن ترفع أمرها إلى القاضي ، والقاضي يسأل الأب : لماذا لا تزوِّجها ؟ فإما أن يقتنع القاضي وينضم إلى الأب ، وإما ألا يقتنع فيزوِّجها هو مباشرةً ، لا يوجد حرج إطلاقاً ، الأمر كلما ضاق اتسع ..
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
4 – التكليف الأخلاقي والسلوكي :
هذه التكاليف التي كُلفنا بها من اعتقاديات إلى عبادات ، إلى معاملات ، إلى أخلاقيات كلها في وسع الإنسان أن يفعلها ، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان التكليف مشقَّةً ، ولكان عدم التطبيق مبرراً ، أما هذا الذي يقول : أنا أين أذهب بعيني في الطريق ؟ نقول : أنت لا تعرف ، بإمكانك أن تَغُضَّ بصرك ، من غض بصره عن محارم الله أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه ، من أين آكل إذا امتنعت عن أكل مال الحرام؟ نقول له : أنت لا تعرف ..
((ما ترك عبدٌ شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه)) .
( الجامع الصغير عن ابن عمر بسند فيه مقال )
إياك أن تظن أن في الإسلام حِرْماناً ، أبداً .. فأية شهوةٍ أودعها الله في الإنسان جعل لها قناةً نظيفةً يمكن أن تُفَرَّغُ من خلالها ، فالزواج مُفَتَّحَةٌ أبوابه ، الشهوة التي أودعها الله في الرجال يمكن أن تنصرف في الزواج ، وليس هناك قناةٌ أُخرى ، حب المال يمكن أن يكون من طريقٍ مشروع ، حب العلوِّ في الأرض ، يمكن أن يكون عن طريق العَطاء ، إذا أعطيت المجتمع رفعك المجتمع فوقَ الأَكُف ، إذاً :
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
فهذه الآية أتمنى عليكم إذا خطر على بالكم خاطر من أن أوامر الدين شاقة ، هذه الآية ترد هذه الأكذوبة ، وهذه الفِرْيَة ، أوامر الدين ليست شاقة ، إن أوامر الدين ليست تقييداً لحرية المؤمن أو الإنسان إنما هي ضمانٌ لسلامته .
إنَّك إذا كنت في حقلٍ ورأيت لوحة كُتب عليها : احذر حقل ألغام ، هل تظن أن هذه اللوحة وضعت لتَحُدَّ من حريتك ؟ لا .. من أجل أن تضمن بها سلامتك .. أقرب من هذا .. إذا وقفت أمام عمودٍ كهربائي كتب عليه : خطر الموت تَوَتُّر عالٍ ، هل تحس بنقمةٍ على من وضع هذه اللوحة ؟ أم تشكره من أعماق نفسك ؟ إن هذه اللوحة ليست تقيِداً لحريتك ، إنما هي ضمانٌ لسلامتك ، لذلك :
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
في أمر الزواج ، في أمر الطلاق ، في أمر البيع ، في أمر الشراء، في العبادات ، في الـمعاملات ، في الاعتقاديَّات ، في الأخلاقيات ، أيُّ أمرٍ من أوامر الدين هو من عند الخبير ، من عند الصانع .
إذا اقتنيت آلةً معقدة ، ورأيت مع الآلة نشرةً فيها تعليمات دقيقة لطريقة التشغيل ، وطريقة الصيانة ، وهناك شخصٌ قال لك : هذه التعليمات صعب تنفيذها ، لا تعبأ بها ، افعل كذا وكذا ، أنت بالفطرة تعتقد أن الصانع وحده هو الذي بإمكانه أن يعطيك التعليمات ، لأنه خبير..
﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾
( سورة الملك )
الصانع وحده ، فهذا المخلوق الذي هو الإنسان ، من خلقه ؟
﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾
( سورة الملك )
لذلك :
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
( سورة المؤمنون : آية " 62 " )
لا حجة لإنسان بصعوبة التكاليف :
من هنا تأتي المُشْكلة ، المشكلة أن الإنسان عليه الحُجَّة ، لو أن أوامر الله عزَّ وجل لم تكن في وسع الإنسان لفتح الإنسان فمه على مصراعيه إن صح التعبير وقال : هذا التكليف يا رب فوق طاقتي ، لا..
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
فلما يَحْتَج الإنسان أمام نفسه بحُجَّة واهية فيقول : هذه التكاليف صعبة ، هذه الأوامر شاقة ، هذه الأوامر لا أقوى على تنفيذها ، ولا أستطيع تطبيقها ، هذا كلام الشيطان .
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
( سورة آل عمران )
 
﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
مراقبة كاملة شاملة : وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالحَقِّ
الكتاب بعضهم قال : القرآن ، وبعضهم قال : اللَّوح المحفوظ ، وأوجه التفسيرات كتاب الأعمال .
فلو كنت موظفًا تتحرك ، وتأتي متأخراً أو باكراً ، وترتكب المخالفات، تعمل أعمالاً طيبة ، وأنت في مقابلةٍ للمدير العام طلب إضبارتك ، فإذا بهذه الإضبارة كلُّ شيء ، كل المكافآت ، وكل العقوبات وكل التقصيرات ، وكل الأعمال الطيبة ، هذه الإضبارة فيها كل شيء ، فإذا كان في وسع الإنسان أن يتَّخذ لمن عنده من الموظفين إضبارةٌ فيها كل شيء ، فما قولك بالواحد الديان ؟ ..
 
﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾
كل حركاتك ، وكل سكناتك ، كل التجاوزات ، كل المخالفات ، كل التقصيرات ، كل الأعمال الطيبة ، الأعمال السيئة ، الأعمال التي لا ترضي الله كلها مسجلة ، بعضهم قال : مسجلة مع صورتها ، لقوله تعالى :
 
﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴾
( سورة المطففين )
فيه الرَقْمُ ، أي فيه الصورة ، وبعضهم قال : صفحات هذا الكتاب مرقمة لا يمكن أن تنتزع . على كلٍ ليكن في علمكم أن كلاً منا له عند الله كتاب ، أعماله كلُّها منذ سن التكليف وحتى يحين الحين ، مسجلةٌ عليه واحدةً واحدة ..
 
﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾


 

 
هذا الكتاب ليس كتاباً مقروءاً ، بل إنه أبلغ من المقروء ، كتاب مسموع ، أحياناً يضعون في السيارة عدَّاداً يشير إلى شيء من الأشياء ، فإذا نظرت إليه عرفت ، وإذا لم تنظر إليه وقد أشار إلى الخطر وقعت الكارثة ، الآن العدادات أبلغ من ذلك فهي ناطقة تقول لك : انتبه الوقود سينتهي ، انتبه الشيء الفلاني فيه خلل ، فالكتاب الناطق أبلغ من الكتاب المقروء أبلغ بكثير ، الإنسان أحياناً يقول : هذا الشيء يَكَاد ينطق لشدة الوضوح وشدة البلاغة يكاد هذا الكتاب ينطق لشدة البلاغة ، فربنا عزَّ وجل قال:
 
﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾
        شيءٍ فعلوه دون تَحَيُّز ، دون محاباة ، دون تجنٍِّ ، دون جحود بالحق ، أحياناً الإنسان يُكتب شهادته في المخفر على خلاف الحق لمصلحة أحد الطرفين ، أحياناً يكون الطرف الأول غائب ، الطرف الثاني يُمْلي الحادث كما يريد ، فهذه الشهادة كتاب ، لكنه مخالفٌ للحق ، لم يكن الأمر كذلك ، لكن هذا الكتاب الذي هو عند الله عزَّ وجل ينطق بالحق ، لا يوجد فيه زيادة ، لا يوجد فيه نقص ، لا يوجد محاباة ، لا يوجد جحود ، لا يوجد فيه مبالغة ، لا يوجد فيه تقليل ، الإنسان قد يحابي نفسه ، فإذا طُلب منه شهادة ، يخفف المسؤولية عن نفسه ، يوجه الإفادة توجيهاً ليتحلل من المسؤولية ، فإذا طُلب منه شهادة عن خصمه يُبالغ في تحميله المسؤولية ، فهذه الشهادة مخالفة للحق ؛ لكن الله سـبحانه وتعالى كتابه الذي ينطق بالحق هو بالـحق دون زيادةٍ أو تزوير ..
 
﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
لا يظلم مثقال ذرة
لأن الكتاب ينطق بالحق إذاً ..
 
﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
من أين يأتي الظلم ؟ بعضهم قال : " الكتاب هو القرآن الكريم " و..
 
﴿يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾
بمعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام يتلوه على مسامع الناس ، فكأن هذا الكتاب ينطق ، ينطق به النبي الكريم ، وهذا معنى آخر ، على كلٍ ..
 
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 62 " )
هناك تناسب بين المعنى الأول والمعنى الثاني ، إنه كتابُ الأعمال الذي ينطق بالحق ..
 
﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
إذا كان الله سبحانه وتعالى ينفي الظلم عن تصرُّفاته ، فهل يُعقل أن تسمعنا قصةً مفادها أن فيها ظلماً شديداً ؟ إذا كان الله عزَّ وجل ينفي الظلم أتثبته أنت ؟ أتثبته بخلاف الواقع ؟ ..
 
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾
( سورة المؤمنون : آية " 63 " )
دعوى مشقة التكاليف من عمى القلب :
لماذا هم كذلك ؟ لماذا هم لا يفعلون ما يؤمرون ؟ لماذا هم يدَّعون أن هذه التكاليف فوق طاقتهم ، لماذا ؟ لماذا يقصرون ؟ لماذا ينحرفون ؟ لماذا يخالفون ؟ لأن قلوبهم في غمرة ، أي هم في تيهٍ وعمى ، في تيه شهواتهم ، إنهم مقبورون في شهواتهم ، إنهم غارقون في متاعبهم، إن شهواتهم هي حجبٌ كثيفةٌ بينهم وبين الحقيقة ، لذلك :
 
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾
ما هذا ؟ من هذا ، هذا اسم إشارة ، إلى أي شيء يشير ؟ قال: إلى قوله تعالى :
 
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
هؤلاء قلوبهم في غمرةٍ من أن يكونوا مُشفقين ..
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
قلوب هؤلاء في غمرةٍ من أن يؤمنوا بآيات الله ..
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
في غمرةٍ من هذا ..
 
﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
قلوبهم في غمرةٍ من هذا ، وبعضهم قال : قلوبهم في غمرةٍ من أن يعتقدوا أن كل الأوامر الإلهية في وسع الإنسان ، وصف المؤمنين ، ووصف الشرع الحكيم لا ينطبق على هؤلاء لأنهم غارقون في شهواتهم ، محجوبون بميولهم ، بعيدون عن الحقيقة لأنهم حجبوا أنفسهم عنها ..
 
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾
أحياناً تلتقي مع إنسان ، تراه غارقاً في شهوته ؛ لا يسمع ولا يبصر ولا يعي ، على قلبه وَقْرٌ ، على قلبه خَتْمٌ ، وفي أذنه وَقْرٌ ، وعلى عَيْنَيْهِ غِشاوة ، فكأنه لا يرى ولا يسمع ولا يعقل :
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف : آية " 179 " )
﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾
( سورة الحج )
 
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾
مادام غارقاً في شهوته إذاً لا بدَّ أن ينحرف ، لأن منطق الشهوة يدعو إلى أن تُرَوِّيها بحلالٍ أو حرام ، إذا الإنسان تشبَّث بشهوةٍ ما يسعى إلى إروائها من أي طريق ، فلذلك أَنَّى لهذا الضال أن يستقيم ؟ ما كان له أن يستقيم ..
 
﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
العلاقة بين مجاوزة الحدود والابتعاد عن الحق :
أي أن لهم أعمالٌ خسيسة ، أعمالٌ دنيئة ، فهذا الذي لا يعبأ بالدين..
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾
( سورة الماعون )
﴿لاإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ
( سورة القصص : آية " 50 " )
فتأكَّد من سماعك مقولة الإنسان ، قالها لك منكرة هذا الدين العظيم أو منكر فريضته أو الصلاة ، أو الصيام ، أو الاستقامة ..
 
﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾
لا بدَّ أن يعتدي على أعراض الناس ، لابدَّ أن يعتدي على أموالهم ، لا بدَّ أن يأخذ ما ليس له ، لا بدَّ أن يطغى ، لا بدَّ أن يبغي ، لا بدَّ أن يَشْتَط ، لا بدَّ أن يتجاوز ..
 
يعملونها لأنهم في عمى ، يعملونها لأنهم في صمم ، يعملونها لأن الشهوة هي دَيْدَنُهُم ، وقد استحوذت عليهم ، إنهم غارقون فيها ..
 
﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾
آيةٌ بليغة . أي ..
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى*عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾
( سورة العلق )
أرأيت ؟؟ هذا الذي ينهى عبداً إذا صلى ، أنظر إلى أعماله ، أنظر خلله ، أنظر إلى قذارته ، إلى دناءته ، انظر إلى ميوله المُنْحَطَّة ، انظر إلى أنانيته .
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى*عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾
( سورة العلق )
     الآن ..
﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى﴾
انظر إلى أمانته ، انظر إلى شجاعته ، انظر إلى استقامته ، انظر إلى ورعه ، انظر إلى عفافه ، هكذا ، فلذلك :
 
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾
نتيجة قطعية وحتمية أن الذي يبتعد عن الحق لا بدَّ أن يتجاوز الحدود ، ولا بدَّ أن يقع في الحرام ، ولا بدَّ أن يأخذ ما ليس له ، فأحياناً إذا الإنسان انغمس بشهوته ، يعتدي على حقوق مُقَدَّسة ، ولا يبالي بها، ثم يقول الله عزَّ وجل :
 
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 64 " )
 
المترف إنسان بعيد عن الحق :
هؤلاء المترفون كما قلت في درسٍ سابق في ثمانية مواضع على سبيل القصر والحصر جاء المترف كافراً ..
﴿ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 33 " )
فالمترف دائماً إنسان بعيد عن الحق ، جعل الدنيا أكبر همِّه ، ومبلغ علمه ، جعل الدنيا كل حياته ، جعل آماله كلها في الدنيا ، لم يرض غير الدنيا ، لم يعبأ بما بعد الموت ، فلذلك :
 
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ﴾
                    ( سورة المؤمنون )
ولات ساعة استغاثة :
جأر أي تضرَّع بصوت مرتفع : يا رب ..
 
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ﴾
كما في الدرس الماضي :
﴿ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾
( سورة المؤمنون )
أحياناً يَصْدُرُ أمرٌ من الله عزَّ وجل بإيقاع العقاب بالإنسان ، يأخذه بالعذاب ، عذاب في جسده ، عذاب في ماله ، عذاب في أهله ، عذاب قصم يُنْهيه عن آخره ..
 
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ﴾
أي يضرعون إلى الله بصوتٍ مرتفع ..
 
﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
هذه الاستغاثة جاءت بعد فوات الأوان ، تماماً لو أن إنساناً قتل إنساناً ، وسيق إلى المحاكمة ، وحُكِمَ عليه بعد محاكمةٍ طويلةٍ دقيقةٍ عادلةٍ، حُكم عليه بالموت لأن هناك أدلةً قطعيةً على ارتكابه للجريمة ، وصدق الحكم ، وسيق إلى تنفيذه ، فلو أنه استغاث بهم ، هل تجزيه هذه الاستغاثة ؟ لو أنه توسَّل إليهم ، لو أنه رجاهم ، لو أنه قَبَّل أقدامهم ، لو أنه بكى ، لو أنه ضحك ، هذه بعد فوات الأوان ، فَكِّر قبل أن تقدم على هذه الجريمة ، فكر قبلها ، فالأمور دقيقة ، فالإنسان يكون في بحبوحة أما إذا كان غافلاً والأمر يجري وهو يعصي الله عزَّ وجل ، فجأةً يصدر أمر إلهي بإيقافه عند حده ، بعدئذٍ الأمر وقع ، فالذي أرجوه ، والذي قلته لكم في درسٍ سابق: ألا تصل علاقتكم مع الله إلى هذا المستوى ، إلى طريقٍ مسدود ، ألا تصل علاقتك مع الله أن تدعوه فلا يستجيب لك ، الإنسان أحياناً يطغى ، يتجاوز الحدود ، يأخذ ما ليس له ، يُطَلِّقُ ظلماً ، يعتدي على أموال الناس، على أعراضهم ، وهو قصد على ذلك ، عندئذٍ يأتي العقاب الأليم .
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾
( سورة البروج )
عندئذٍ لا ينفع الدعاء ، ولا ينفع الرجاء ، ولا التوسُّل ، ولا أن تجأر ..
 
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
جاء هذا بعد فوات الأوان ، هذا لا يُجْدي ، فعلت ما فعلت ، ولم تفكر فيما فعلت ، استمعوا يقول الله عزَّ وجل :
 
﴿قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 66 " )
العاقل يتعظ قبل فوات الأوان :
وأنتم في الدنيا ، وأنتم في بحبوحة ، وأنتم في شبابكم ، وفي أحوالكم الطَيِّبة ؛ لكم بيوت ، ولكم زوجات ، ولكم أولاد ، وفي أكمل حالات صحَّتكم ، أعضاؤكم سليمة ، حواسُّكم سليمة ، صحتكم جيدة ، دخلكم وفير، مركزكم قوي ..
 
﴿قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
لقد كانت آياتي تُتلى عليكم صباحاً مساء ، آيات القرآن الكريم تُتلى عليكم ، ألم تحضروا تعزيةً ؟ ألم تسمعوا كلام الله ؟ ألم تحضروا احتفالاً بُدِئ بكلام الله ؟ ألم تجلسوا في مجلس علمٍ سمعتم فيه تفسير كلام الله ؟ ألم تحضروا خطبةً فُسِّر فيها بعض آيات الله ؟
 
﴿قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
وأنتم في رخاء ، وأنتم في نشاط ، وأنتم في قوة ، وأنتم في صحة، وأنتم في مال ، وهناك قول آخر :
 
﴿قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
هذه الشمس آية أما قرأت عنها ؟ أما سمعت عنها ؟ أن حجمها يتسع إلى مليون وثلاثمئة ألف أرض ؟ أن حرارتها في سطحها ستة آلاف درجة ؟ وفي نواتها عشرين مليون درجة ؟ وأنها تَتَّقِدُ منذ خمسة آلاف مليون سنة ؟ من أعطاها هذه الطاقة ؟ وأنها تَبْعُد عن الأرض مئةً وخمسين مليون كيلو متر؟ وأن نجماً يتَّسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما؟ وأن هذه العين فيها مئة وثلاثين مليون عُصَيَّة ومخروط ؟ وأن في الإنسان مئة وخمسين كيلو مترًا أوردةً وشرايين ؟ وأن قلبه يضخ ثلاثمئة ألف متر مكعب من الدم في عمره المديد ؟ ما تملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم ..
 
﴿أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 105 " )
 ألم تسمعوا هذه الآيات ؟ ألم تقرأ عن القمر ، عن الشمس ، عن الأرض ، عن الجبال ، عن الأنهار ، عن البحار ؟ نهر الأمازون ثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية ، أين خزَّاناته ؟ هذه الآيات في الجبال ، والصحارى ، والسهول ، والوديان ، والأغوار ، والبِحار ، مليون نوع من السمك في البحار ، مئة ألف نوع من الطيور ، ثلاثة آلاف وخمسمئة نوع من القمح ، أنواع المحاصيل ، أنواع الفواكه ، أنواع الخُضراوات ، أنواع الحيوانات ، في الإنسان أجهزة معقدة جداً ..
 
﴿أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 105 " )
ألم تسمعوها ، ألم تستعظموا ، ألم تلفت نظركم هذه الآيات ، ألم تتأثروا ، ألم تقولوا : الله عظيم يجب أن نطيعه أبداً ؟ فإما أن تفسِّرها بالقرآن :
 
﴿قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
وإما أن تُفَسِّرها بآيات الكون ، على كلٍ هذه كلها آيات :
 
﴿تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
تسمعونها صباح مساء ، تُتْلى على مسامعكم ، ما أكثر ما حضرتم بعض المحاضرات ذُكِرَت فيها بعض آيات الله ، البترول آية ، من أودع هذه الطاقة الهائلة في باطن الأرض ؟ الهواء آية ، الماء آية ، الكهرباء آية:
 
﴿أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾
( سورة المؤمنون )
 
﴿قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
الشهوة والشبهة مانعان من سماع الحق :
تتراجع إلى  شهوتك ، تتراجع إلى عاداتك ، إلى تقاليدك ، إلى مصلحتك ، إلى الدنيا ، تَخْلُدُ إلى الأرض ، هذه الآيات تكفي أن تعرف الله عزَّ وجل ، هذه الآيات تكفي أن تستقيم على أمره ، لكن هذا الإنسان يرجع إلى شهوته ، يرجع إلى عاداته السقيمة ، يرجع إلى تقاليده المَقِيتة، يرجع إلى المادَّة ، يرجع إلى مصالحه :
 
﴿فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾
( سورة المؤمنون )
الاستكبار حجاب عن الحق :
أنتم فوق ذلك ؟ أنتم أكبر من أن تؤمنوا ؟ أنتم أكبر من أن تُصَلُّوا ؟ يمشي في جنازة ، ويقف أمام المسجد ، فيقف ، ويدخن ، فأنت أكبر من الصلاة ؟ من أنت ؟ أنت أكبر من أن تُصَلِّي ؟ أن تخلع حذاءك وتتوضَّأ وتصلي في المسجد ، من أنت ؟
 
﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
هنا سامراً حال ، أي تمضون أوقاتكم في السمر ، تسهرون إلى ساعاتٍ مُتَأَخِّرة في الغيبة والنميمة ، وفي كلامٍ فارغ ، وفي الحديث عن زيدٍ وعُبيد ، وفي القيل والقال ، تسمرون في أحاديث لا تُرضي الله عزّ وجل ، تسمرون في أحاديث لا معنى لها ، لا غاية منها، لا فائدة منها، لا جدوى منها :
﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ ﴾
في جلساتكم ، في سهراتكم ، في ندواتكم ، في أُمْسِياتكم ، في حفلاتكم ، في مطاعمكم ، في متنزهاتكم ، في هذه الأماكن ، الحديث عن الله معدوم ، بل إنَّ الحديث عن الدنيا ، عن الشهوات ، عن النساء ، عن الألبسة ، عن الأسعار ، عن أشياء لا تُقَدِّمُ ولا تُؤخِّر :
 
﴿سَامِراً تَهْجُرُونَ ﴾
لذلك كان عليه الصلاة والسلام يُصَلِّي العشاء في ثلث الليل الأول ، فأحياناً كان يؤخِّرها عن وقتها إلى ثلث الليل الأول ، وكان يكره النوم قبلها والسمر بعدها ، يكره النوم قبلها لئلا تضيع عليه في أفضل أوقاتها أو في كلِّ أوقاتها ، ويكره السَمَر بعدها ، يختم هذا النهار بصلاةٍ جيِّدة يجب أن ينام عليها ، وكان عليه الصلاة والسلام يكره الحديث بعد صلاة العشاء ، وكان من العلماء الأجِلاَّء من يكره الحديثَ بعد صلاة العشاء ، إلا أن العلماء أجازوا أن تَسْمُرَ في إصلاح ذات البين ، أو في تعلُّم العلم ، أو في الأمر بالمعروف أو في النهي عن المنكر ، أو أردت أن تدعو إلى الله ، أردت أن توضِّح بعض آيات الله ، فإن هذا مباحٌ  فيما بعد العشاء بشـرط أن يكون الحديثُ محصوراً في ذكر الله عزّ وجل ، أما الحديث الفارغ عن الطعام والشراب ، وعن أحوال الناس ، وعن أحوال البيع والشراء ، وعن أسعار الحاجِيَّات ، أن يكون هذا بعد العشاء فإن أغلب الظن أن الإنسان يقع في بعض الإثم ، لذلك اختم يومك بصلاة العشاء ، ولا تتحدث بعدها بشيء إلا إذا كان في طاعة الله عزّ وجل ..
 
﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾
( سورة المؤمنون )
القول هو : القرآن الكريم في أوجه التفسيرات .. القرآن ..
 
﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾
دعوة إلى تدبُّر القرآن :
هذا الكلام كلام إله ، إلهٌ عظيم ، لماذا لا تؤمن به ؟ إذا قال لك :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾
( سورة النور : آية " 30 " )
فهذه الآية أنت غير مهتم بها ؟ إذا قال لك :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
( سورة البقرة  : آية " 276 " )
هذا الكلام ألا تؤمن به ؟ إن الله يُدَمِّر هذا المال كله إذا كان فيه ربا؟ يوجد أشخاص يقرؤوا القرآن ويقولون لك : تباركنا ، يقَبِّل المصحف من أطرافه الستة ويخالفه ، لذلك :
 
﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾
( سورة المؤمنون )
أي لماذا لا يدققون فيما يقرؤون ؟ لماذا لا يتدبَّرون هذا القرآن ؟ لماذا لا يقفون عند حلاله وعند حرامه ؟ عند أمره ونهيه ؟ عند وعده ووعيده ؟ لماذا لا يتعظون بأمثاله وقصصه ؟ لماذا لا يصدقون أخباره ؟ لماذا لا يخافون مما سيكون فيما أخبر به القرآن الكريم ؟
 
﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾
( سورة المؤمنون )
ليس لظالم استثناء من العقوبة :
فهل معهم استثناء من العذاب ؟ أحياناً يقول أحدهم : يا أخي أنا معي استثناء خطي ، أنا مستثنى من العقوبة ، هل معك استثناء من الله بأنك لن تعذب ؟ يوجد عندك وثيقة خطِّية تضعها في الكفن وفي القبر ؟ معه استثناء يا ربي ..
 
﴿أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾
أي هل معهم استثناء ؟ أو أن هذا القرآن ( أم بمعنى بل ، من معانيها للتسوية ، أما في بعض معاني هذه الآية أم بمعنى بل ) .
بل جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ، جاءهم من الله نور ، جاءهم منهج ، جاءهم دستور ، جاءهم نظام ، جاءتهم أحكام فيها حلالٌ وحرام ، فيها أمرٌ ونهي ، هذا المعنى الثاني ..
 
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 69 " )
لماذا أنكرتم رسلكم ورميتموهم بالجنون ؟
كُلُّ هذا الكمال ، كل هذه الأمانة ، كل هذه العِفَّة ، كل هذه الاستقامة، كل هذا الصدق ، كل هذه المكارم ، كل هذا الفضل لم تعرفوه بعد ؟ أخذتم عليه شيئاً ؟ هل جرَّبتم عليه كذباً قط ؟ هل جرَّبتم عليه خيانةً قط ؟ ومع ذلك لا تعبؤون به ، لا تستجيبون له ..
 
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾
لماذا هذا الإنكار ؟
 
﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 70 " )
هذا مجنون ، فأين الدليل على أنه مجنون ؟ إذا لم يعجبك إنسان تقول عنه : مجنون .. يكون القائل هو المجنون ..
النبي عليه الصلاة والسلام رأى مجنوناً فأراد أن يُعَلِّمَ أصحابه قال :
(( من هذا ؟ قالوا : هو مجنون ، قال : لا هذا مُبْتَلى ، المجنون من عصى الله )) .
فإذا التقى إنسان برجل متديِّن يقول لك : هذا مجنون لم ير شيئاً ، لا يفهم شيئاً ، سجن نفسه في البيت ، توجد في الحياة مباهج فيها مقاصف ، فيها حفلات ، فيها أشياء جميلة ، هذا مجنون لا يفهم شيئاً ، وسوف نعلم من هو المجنون ؟
﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾
( سورة القلم )
أنت لست مجنوناً .. لا ..
﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ*بِأَيِّيكُمْ الْمَفْتُونُ﴾
 ( سورة القلم )
﴿ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾
 ( سورة الذاريات )
 
﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 70 " )
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾
( سورة هود )
أي أن المؤمن في رحمةٍ كبيرة لكنَّها عُمِّيَت على معظم الناس ،  يتهمونه بالجنون وهم المجانين ..
 
﴿بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾
( سورة المؤمنون )
كل إنسان يريد ديناً على قدر شهواته ، فيقول لك : أخي لا هذه لا يمكن أن تكون حراماً ، لا هذا تزمُّت ، من أين جئت بها ؟ حتى ولو كانت آية قرآنية يقول لك :  لا .. هذا مبالغة ، الدين يُسر ، الدين مَرِن ، يقول : إنه مرنٌ حتى يلغي الدين كله ..
 
﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾
الحق حق والباطل باطل :
الحق حق ، والباطل باطل ، إذا شرع الله للناس ديناً يتوافق مع أهوائهم وشهواتهم تصبح السماوات والأرض فاسدة ، وهم معها .
مثلاً : إذا قلنا : هذه المدرسة سنراعي فيها رغبات الطلاب ، فالدوام حُر ، متى تستيقظ تذهب إلى المدرسة ، هذا استيقظ ، وذهب إلى المدرسة الظهر ، هذا سيسافر فيقول لك : لا أريد الآن أن أداوم ، إذا تركنا الأمر للطلاب على حسب حريتهم ـ الدوام كيفي ـ وكذلك لا يوجد امتحان ، لأن الامتحان يسبب إرهاقاً للأعصاب ، تقضي سنة فتنجح إلى صف أعلى منه ، فهل من المعقول أن هذه المدرسة تحقق أهدافها؟ الدوام حر ، والدراسة حرة ، ولا توجد امتحانات ، ولا مذاكرات ، ولا عقاب ، ولا ثواب ، ولكن كل شيء فيها حسب راحتك ، فهل هذه مدرسة ؟
هناك دوام ، إذا غبت أسبوعين تُفْصَل ، توجد مذاكرات ، ويوجد امتحان ، ويوجد منهج مقرر ، وتوجد قاعة محاضرات ، ويوجد فحص شفهي ، وفحص عملي ، وفحص كتابي ، هذه هي المدرسة .
فإذا كنت تحب أن تكون الأرض كما يحب الناس ـ فهذا أكبر مثل أوروبا وأمريكا ، لا يوجد عندهم دين ولا مبادئ ، بل يوجد عندهم عقل فقط ، فالعقل أوصلهم إلى عشرين مليون لوطي في أمريكا ، ومعهم بطاقات رسمية يفتخرون بها ـ مرض الإيدز آخر رقم قرأته ثمانية ملايين إنسان يحمل هذا المرض في أمريكا وحدها ، هذا مثل واضح ، فهذا الشـرق والغرب الذين تركوا الدين كلياً ، واتبعوا أهواءهم ماذا حلَّ بهم ؟ تفكُك اجتماعي ، انهيار الحياة الاجتماعية ، أسرة منهارة، أطول زواج لمدة سنتين فقط ، لأن الزوجة لها صديق ، وتَمِل من زوجها بعد سنتين ، تريد غيره ..
 
﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾
الحق حق ، هذا حرام وهذا حلال ..
 
﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
أتيناهم بكتابٍ يرفع من ذكرهم ، يرفع شأنهم ، يجعلهم مُكَرَّمين ..
 
﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ﴾
أي بكتابٍ فيما لو طبَّقوه لرفعَ الله لهم ذكرهم ، وجعلهم في عباده الصالحين..
 
﴿فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً﴾
( سورة المؤمنون )
لا أسألكم عليه أجرا :
 الدعوة إلى الله دون مقابل مادي ، الدخول إلى المساجد مجاناً ، سبحان الله الدعوة إلى الله مبذولة بلا مقابل ، لا يوجد أي رسم ، ولا يوجد أي دفع ، ولا أي شيء ، بل لوجه الله تعالى ..
﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ*اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
( سورة يس )
فعلامة الهداية أن هذا الذي يدعوك لا يَسْألك شيئاً لا معنوياً ولا مادي ..
 
﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
( سورة المؤمنون )
أحياناً يَخْدُم إنسان إنسانا ، يقول له : لم تعطني أجراً ـ لو خدمه لوجه الله لأعطاه الله أضعافاً كثيرة ـ يوجد إنسان لا شيء عند الله له لأن كل خدماته قبض ثمنها الباهظ ، يوجد إنسان يخدم لوجه الله عزّ وجل ، فهذا الذي خَدَمَ لوجه الله له عند الله ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، أما هذا الذي لا يتحرك إلا بالأجر أخذ شيئاً زهيداً قليلاً ..
 
﴿فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
( سورة المؤمنون )
والحمد لله رب العالمين
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب