مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     أهل القرآن

New Page 1

من أصول أصحاب القراءات العشرأبو الدرداء رضي الله عنه

20/04/2011 13:58:00

محمود مهنّا
اسمه: عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي. الإمام القدوة قاضي دمشق، ولي القضاء بدمشق في دولة عثمان فهو أول من ذكر من قضاتها.حكيم هذه الأمة وسيد القراء. روى عن النبي صلى الله عليه وسلّم ويُروى له مئة وتسعة وسبعون حديثاً.
كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاماً وكان يعبد صنماً، فدخل ابن رواحة ومحمد بن مسلمة بيته فكسرا صنمه، فرجع فجعل يجمع الصنم ويقول: ويحك هلا امتنعت، ألا دفعت عن نفسك. فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد دفع عن نفسه ونفعها. فقال أبو الدرداء: أعدي لي ماء في المغتسل، فاغتسل ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم فنظر إليه ابن رواحة مقبلاً فقال: يا رسول الله هذا أبو الدرداء وما أراه إلا جاء في طلبنا، فقال إنما جاء ليسلم، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم، فأسلم.
لما هزم أصحاب رسول الله صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم يوم أحد كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله في الناس فلما أظلهم المشركون من فوقهم قال رسول الله صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم: اللهم ليس لهم أن يعلونا فثاب إليه ناس وانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى أدحضوهم عن مكانهم، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم: نعم الفارس عويمر.
آخى رسول الله صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم بين سلمان وأبي الدرداء فجاءه سلمان يزوره فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا يقوم الليل ويصوم النهار. فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرب إليه طعاماً، فقال له سلمان: كل. قال: إني صائم. قال أقسمت عليك لتفطرن، فأكل معه ثم بات عنده، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم فمنعه سلمان، وقال: إن لجسدك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، صم وافطر، وصل وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه. فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت، فقاما فتوضئا ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله بالذي أمره سلمان، فقال له يا أبا الدرداء: إن لجسدك عليك حقاً، مثل ما قال لك سلمان.
أبو الدرداء العالم:
كان الصحابة يقولون: أرحمنا بنا أبو بكر وأنطقنا بالحق عمر وأميننا أبو عبيدة وأعلمنا بالحرام والحلال معاذ وأقرأنا أُبيْ ورجل عنده علم ابن مسعود وتبعهم عويمر أبو الدرداء بالعقل.
وقال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء.
ولما حضرت معاذاً الوفاة قالوا: أوصنا، فقال: العلم والإيمان مكانهما فمن ابتغاهما وجدهما. قالها ثلاثاً، فالتمسوا العلم عند أربعة عند عويمر أبي الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم.
قال أبو الدرداء: سلوني فوالله لئن فقدتموني لتفقدُنَّ رجلاً عظيماً من أمة محمد صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم.
وقال الليث رأيت أبا الدرداء دخل مسجد النبي صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم ومعه من الأتباع مثل السلطان فمن سائل عن فريضة ومن سائل عن حساب وسائل عن حديث وسائل عن معضلة وسائل عن شعر.
أبو الدرداء والقرآن:
يُعد فيمن تلا على النبي صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم ولم يُرو أبداً أنه قرأ على غيره، وهو معدود فيمن جمع القرآن في حياة رسول الله صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم، وتصدر للإقراء بدمشق في خلافة عثمان وقبل ذلك، روى عنه أنس بن مالك وفضالة بن عبيد وابن عباس وأبو أمامة وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم من الصحابة وزوجته أم الدرداء العالمة وابنه بلال بن أبي الدرداء وسعيد بن المسيب وعطاء بن يسار وأبو عبد الرحمن السلمي وخالد بن معدان وعبد الله بن عامر اليحصبي أحد القراء السبعة.
عن أنس: مات النبي صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ وزيد بن ثابت وأبو زيد.
قال أبو الدرداء: لو أنسيت آية لم أجد أحداً يذكرنيها إلا رجلاً ببرك الغماد رحلت إليه.
عن محمد بن كعب قال: جمع القرآن خمسة معاذ وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبي وأبو أيوب.
ولما كان زمن عمر كتب إليه يزيد بن أبي سفيان إن أهل الشام قد كثروا وملؤوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأعني برجال يعلمونهم فدعا عمر الخمسة، فقال: إن إخوانكم قد استعانوني من يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا. فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخ كبير لأبي أيوب، وأما هذا فسقيم لأبي، فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء. فقال عمر: ابدؤوا بحمص فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد وليخرج واحد إلى دمشق والآخر إلى فلسطين. فأتوا حمصاً فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة بن الصامت، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين فمات في طاعون عمواس، ثم صار عبادة بعد إلى فلسطين وبها مات ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات.
وقد كان الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء أكثر من ألف رجل ولكل عشرة منهم ملقن، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائماً فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء يعني يُعرض عليه.
أقوال ومواقف:
كتب أبو الدرداء إلى مَسلَمة بن مخلد: إن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله فإذا أبغضه الله بغّضه إلى عباده.
وعن أبي الدرداء قال: لن تكون عالماً حتى تكون متعلماً ولا تكون متعلماً حتى تكون بما علمت عاملاً، إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي ما عملت فيما علمت.
وقال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.
وعن عون بن عبد الله قلت لأم الدرداء: أي عبادة أبي الدرداء كانت أكثر؟ قالت: التفكر والاعتبار.
وعن أبي الدرداء: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
قيل لأبي الدرداء وكان لا يفتر من الذكر: كم تسبح في كل يوم؟ قال: مئة ألف إلا أن تخطئ الأصابع.
قال أبو الدرداء: أعوذ بالله من تفرقة القلب. قيل: وما تفرقه القلب؟ قال: أن يجعل لي في كل واد مالاً.
روي عن أبي الدرداء قال: لولا ثلاث ما أحببت البقاء ساعة، ظمأ الهواجر والسجود في الليل ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما ينتقى أطايب الثمر.
قال أحدهم: لقيت أبا الدرداء فقلت ما تحب لمن تحب؟ قال: الموت. قلت: فإن لم يمت؟ قال: يقلُّ ماله وولده.
قال أبو الدرداء: ثلاثة أحبهن ويكرههن الناس الفقر والمرض والموت، أحب الفقر تواضعاً لربي، والموت اشتياقاً لربي، والمرض تكفيراً لخطيئتي.
جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال: أوصني. قال اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكرت الموتى فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شيء من الدنيا فانظر إلى ما يصير.
وقال أبا الدرداء: اعبد الله كأنك تراه، وعد نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلاً يغنيك خير من كثير يلهيك، وأن البر لا يبلى وأن الإثم لا ينسى.
وعن أبي الدرداء قال: من أكثر ذكر الموت قل فرحه وقل حسده.
قال أبو الدرداء: إياك ودعوات المظلوم فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار.
عن أم الدرداء قالت: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقلت: إني أخاف أن يحمقك الناس فقال كان رسول الله صَلّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم لا يحدث بحديث إلا تبسم .
وكان يقول لمن حوله: ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند باريكم، وأنماها في درجاتكم، وخير من أن تغزو عدوّكم، فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم، وخير من الدراهم والدنانير؟ ذكر الله، ولذكر الله أكبر.
كانت الدنيا كلها في عين أبي الدرداء مجرّد عارية، فعندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب إلى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي، واقتربوا دَهِشينَ يسألونه، وتولى توجيه السؤال إليه جبير بن نفير قال له: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟
فأجاب أبو الدرداء في حكمة بالغة وفهم عميق: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره، بينما هي أمة، ظاهرة، قاهرة، لها الملك، تركت أمر الله، فصارت إلى ما ترى.
وكان يقول: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك، ويكثر علمك، وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى.
وفي خلافة عثمان رضي الله عنه، وقد كان معاوية أميراً على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في أن يلي القضاء، وهناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرّتهم مباهج الدنيا، وراح يذكّر بمنهج الرسول في حياته، وزهده، وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين، وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم، فجمعهم أبو الدرداء، وقام فيهم خطيباً: يا أهل الشام، أنتم الإخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء، ولكن مالي أراكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وترجون ما لا تبلّغون، وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون، فيوعون، ويؤمّلون، فيطيلون ويبنون، فيوثقون فأصبح جمعهم بوراً، وآمالهم غروراً، وبيوتهم قبوراً، أولئك قوم عاد، ملؤا ما بين عدن إلى عُمان أموالاً وأولاداً. ثم سأل الحاضرين: من يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين؟
ومن أقواله: التمسوا الخير دهركم كله، وتعرّضوا لنفحات رحمة الله، فان لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمّن روعاتكم.
ويقول: مثقال ذرّة من برّ صاحب تقوى ويقين، أرجح وأفضل من أمثال الجبال من عبادة المغترّين.
ويقول أيضاً: لا تكلفوا الناس ما لم يُكَلَّفوا، ولا تحاسبوهم دون ربهم عليكم أنفسكم، فان من تتبع ما يرى في الإنس يَطُل حُزنه.
ومرّ أبو الدرداء يوماً على رجل قد أصاب ذنباً، والناس يسبّونه، فنهاهم وقال: أرأيتم لو وجدتموه في حفرة، ألم تكونوا مخرجيه منها؟ قالوا بلى. قال: فلا تسبّوه إذن، واحمدوا الله الذي عافاكم.
قالوا: أنبغضه؟ قال: إنما أبغضوا عمله.
عن أم الدرداء قالت: كان لأبي الدرداء ستون وثلاث مئة خليل في الله يدعو لهم في الصلاة، فقلت له في ذلك، فقال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله له ملكين يقولان ولك بمثل، أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة.
وقالت أم الدرداء: لما احتضر أبو الدرداء جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟
مات أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين، قبل مقتل عثمان رضي الله عنهما بثلاث سنين.



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب