سورة الدخان 044 - الدرس (1): تفسير الأيات (01 – 09) القرآن الكريم منهج الناس جميعاً

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الدخان 044 - الدرس (1): تفسير الأيات (01 – 09) القرآن الكريم منهج الناس جميعاً

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - وجوب العمل على فك الأسرى - د. جمال خطاب           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 10 - ولئن متم أو قتلتم - الشيخ ادهم العاسمي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية -436- واجبنا تجاه الأسرى - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 391 - سورة المائدة 008 - 010         

الشيخ/

New Page 1

     سُورَةُ الدُّخَان

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة الدخان ـ (الآية: 01 - 09) - القرآن الكريم منهج الناس جميعاً

23/03/2013 17:36:00

سورة الدخان (044)
الدرس (1)
تفسير الآية: (1- 9)
القرآن الكريم منهج الناس جميعاً
 
لفضيلة الأستاذ الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة المؤمنون مع الدرس الأول من سورة الدخان .
    
 مواقف العلماء من الحروف التي افتتحت بها بعض السور :
 
﴿حم(1)وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2)إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3)فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4)أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ(5) ﴾
( سورة الدخان )
﴿حم ﴾  كما ذكرت سابقاً الحروف التي افتتحت بها بعض السور ومنها حم وقف العلماء منها مواقف متعددة من هذه المواقف :
1 ـ إنها دليل إعجاز القرآن الحكيم :
إنها دليل إعجاز القرآن الحكيم ، فهذا الكتاب الذي بين أيدينا مؤلف من كلمات والكلمات مؤلفة من حروف هي بين أيدينا ، ومع ذلك فهذا الكتاب أعجز من أن يأتي بمثله أو بسورة منه بل وبآية واحدة منه أهل السماوات والأرض ، وأكبر دليل على أن هذا  الكلام كلام الله ، إعجازه ، ومعنى إعجازه أنه يعجز الإنسان أن يأتي بمثله ، أو أن يأتي بتشريع حكيم ، أو بتشريع مبني على قواعد النفس ، أو تشريع يسعد النفس إذا طبقته ، فيه إعجاز تشريعي وفيه إعجاز علمي و بياني و إخباري و تاريخي ، أي هذا الكتاب له بحث طويل  .
    
 تحدي الله عز وجل العرب جميعاً أن يأتوا بمثل هذا القرآن :
 
على كل من هذه الأحرف ، كيف أن الإنسان مركب من مواد مأخوذة من التراب ، لكن لو جئنا بهذا التراب وعالجناه هل بالإمكان أن يغدو إنساناً ينطق ، ويتكلم ، ويفكر ، أي إعجاز بالخلق . وهذا الحليب من يأتي به ، من البقرة والبقرة تأكل الحشيش وهل بإمكان كل من في الأرض أن يصنع من الحشيش حليباً وهذه البيضة من أين تأتي بها الدجاجة ؟ تأكل مما في الأرض فهل بالإمكان أن نأخذ ما تأكله ونصنع منه بيضة ؟ لا ، ولله المثل الأعلى فهذا الكتاب ، الحروف التي بين أيدينا هي بين أيدينا وقد نظم منها ومع ذلك يعجز الإنسان عن أن يأتي بسورة من هذه الآيات .
فالمعنى الأول أن هذا الكتاب المعجز ، مادته بين أيديكم فان لم تفعلوا أي أن الله عز وجل تحدى العرب جميعاً أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
 
﴿ وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(23)فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (24) ﴾
( سورة البقرة )
2 ـ هذه الحروف أوائل لأسماء الله الحسنى :
 المعنى الثاني أن هذه الحروف أوائل لأسماء الله الحسنى .
3 ـ إنها أوائل لأسماء النبي عليه الصلاة والسلام :
. وبعضهم قال : إنها أوائل لأسماء النبي عليه الصلاة والسلام : هو حامد ومحمود ، محمود عند الله وعند الناس وعند نفسه
4 ـ الله أعلم بمراده :
. وبعضهم قال : الله أعلم بمراده والقرآن حمّال أوجه ولا أحد يزاحم أحداً في هذا الكلام المعجز
 
قسم الله عز وجل بالقرآن الكريم ليبين قيمته للناس :
 
﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2) ﴾
( سورة الدخان )
الله سبحانه وتعالى أقسم بهذا الكتاب المبين والله جلّ جلاله إذا أقسم بشيء دونه فليبين للناس قيمة هذا الشيء . أحياناً لا يقسم :
 
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ .
( سورة الواقعة ) .
حتى إذا قال الله لا أقسم أي أن هذا الشيء من شدة وضوحه ودلالته وبيانه لا يحتاج إلى قسم ، أي ما دام الشيء دون الله عز وجل ، فالعظيم لا يقسم بما هو دونه أو إذا أقسم فليبين أن الله جل جلاله هذا الشيء عظيم بالنسبة إلينا ، والنقطة الدقيقة أن الله عز وجل يقول :
 
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (1)
( سورة الأنعام )
والسماوات والأرض تعبير عن الكون والكون هو ما سوى الله ، فالحمد لله الذي خلق السماوات والأرض .
 
لا قيمة لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه :
 
في آية أخرى :
 
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ (1) ﴾
( سورة الكهف )
فماذا يستفاد من هذا ؟ يستفاد من هذا أن الكون كله في جهة وكلام الله في جهة ، ويستفاد أيضاً أن الله عز وجل يقول :
 
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
( سورة الرحمن )
 كيف علم الإنسان القرآن قبل أن يخلق  ؟ قال هذا ترتيب رتبي ، أي لا قيمة لوجود الإنسان من دون القرآن أو لا قيمة لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه . فكيف أن الآلة المعقدة جداً ، والغالية جداً ذات النفع الكبير ، تحتاج إلى كتيب يرشدك فيه إلى طريقة الاستعمال والصيانة لرفع المردود والمحافظة عليها ، فإن هذا الكتاب لا يقل أهمية عن الآلة نفسها ، إذا ربنا عز وجل يلفت نظرنا إلى أن هذا الكتاب فيه سر سعادتنا ، فأنت آلة معقدة ، لو تحركت بلا منهج هلكت وأهلكت وشقيت وأشقيت و ضللت وأضللت وفسدت وأفسدت . فحركة بلا منهج ، تصور سيارة تنطلق بسرعة مئة بلا مقود وبلا قائد ، فالدمار حتمي والهلاك حتمي والسقوط في الوادي حتمي ، فحينما قدم الله تعليم القرآن على خلق الإنسان أي أن حياة الإنسان بلا منهج تغدو شقاء و فساداً وهلاكاً وانحرافاً و إيذاءً .
 
الآيات المتعلقة بأصول العقيدة والأمر والنهي آيات محكمات لا تحتاج إلى تفسير :
 
﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2) ﴾
( سورة الدخان )
لكن كتاب الله عز وجل مبين ، واضح البيان ، أي الآيات المتعلقة بأصول العقيدة وبالأمر والنهي  آيات محكمات لا تحتاج إلى تفسير . أحيانًا يتوهّم الإنسان أن الكتاب بحر من غاص فيه هلك ، هناك تسعة أعشار كلام الله لا يحتاج إلى تفسير .
﴿ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ﴾  واضحة : ﴿ إن الله يحب التوابين ﴾ . ﴿ لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ﴾ .اقرأ القرآن تجد أنك تقرأ الآيات و في معظمها لا تحتاج إلى مفسر ، آيات محكمات هن أم الكتاب : الآيات المتعلقة بالعقيدة والتكليف والحلال والحرام وبأسباب سعادتنا وأسباب شقائنا فهذه الآيات كلها محكمات  واضحات نيرات .
﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2) ﴾
 
الآيات المتشابهات تحفز الهمم وتخلق التنافس الشريف بين العلماء :
 
لحكمة بالغة بالغة جاءت بعض الآيات متشابهات ﴿ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعــــــون ما تشابه منه﴾ . فهنالك حكم كثيرة من وجود آيات متشابهات : أولاً : ظنية الدلالة : إذا صار للعلماء دور في فهمها وتفسيرها واكتشاف مضامينها وتوجيهها وجهة خاصــــة ، وصار فيه حفز للعلماء ، ومنافسة ، وأحكام اجتهادية وتفصيلية غنية جداً تسع كـل الحالات وكل البيئات وكل الظروف ، وصار فيه شيء يتحدى به الإنسان من أجل أن يجتهد وأن يشمر فهناك حكم أدرجهــــا العلماء بوجود آيات متشابهات وهي قليلة جداً ، والإنسان  حين يفهم  آية  متشابهة ، يعبر فيها عن حسن ظنه بالله عز وجل . أي لو أنك قرأت قوله تعالى : ﴿  يضل من يشاء﴾ ، فلو أنك لا تعرف الله عز وجل هل هو يضل الناس  ؟ ولكن لو أنك تعرف الله وتعرف أن الله سبحانه وتعالى خلقنا ليرحمنا وليهدينا سواء السبيل . فعندئذ تفسر ﴿  يضل من يشاء﴾ تفسيراً يتناسب مع كمال الله عز وجل : أن هذا الضلال الذي عزي إلى الله هو الضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري . فآيات متشابهات تحفز الهمم وتخلق التنافس الشريف بين العلماء وقد يجتهد المجتهدون في فهمها مناحي عدة ، وهذه المناحي تغطي كل الحالات المستجدة والبيئات والتطورات .
 
معظم آيات القرآن الكريم آيات محكمات :
 
إذًا الإسلام فيه ثوابت وفيه متغيرات الثوابت تؤكده الآيات المحكمات ، والمتغيرات تغطيه الآيات المتشابهات ، فوجود الآيات المتشابهات تشبه المعنى الفلاني من جهة والمعنى الآخر من جهة ثانية ، فهذا معنى متشابهات ، فلو فرضنا قلت أعطِ فلاناً ألف درهم و نصفه ، أمر متشابه هل هي ألف و خمسمئة أم ألـف  ونصف درهم ، ألف درهم ونصفه ، الهاء تعود على الدرهم أم على الألف . فإن عادت على الدرهم فهي ألف ونصف درهم ، وإن عادت على الألف فألف وخمسمئة ، وهذا نص متشابه ، فالإنسان يمتحن به ، أي هناك من يفهمه ألف ونصف ، فيه امتحان و فيه حفز للذهن و فيه انغماس في الاجتهاد وفيه توجيهات . ليس الموضوع أن نستعرض حكمة وجود آيات متشابهات ، لكن إن معظم آيات القرآن الكريم محكمات ، وواضحات نيرات، بينات لا يزيغ عنها إلا ضال .
 
﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2) ﴾
( سورة الدخان )
بين العبارة ، واضح العبارة ، محكم .
    
من عرف الله سعد في الدنيا و الآخرة :
 
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3) ﴾
( سورة الدخان )
قال بعض العلماء : إن هذا القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في رمضان وفي ليلة القدر ذاتها ، ثم نزل تباعاً على النبي  صلى الله عليه و سلم نزولاً بحسب الوقائع والمناسبات ، وبعضهم قال ابتدأ نزوله في رمضان ، لكن الذي يعنينا أن هذه الليلة المباركة عاد خيرها على البشرية جمعاء ، فإذا سعد الناس في حياتهم و عرفوا ربهم وسعدوا في كل شؤون حياتهم وأكرمهم ربهم بفضل هذه الدلالة  وهذا القرآن . هذا معنى قول الله عز و جل :
 
﴿لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ (3) ﴾
( سورة الدخان )
    
في حياة الإنسان ليلة مباركة و ليلة مشؤومة :
 
أنت أحياناً تسهر سهرة مع صديق مؤمن يلفت نظرك لأشياء في الدين و إلى آيات في كتاب الله وإلى حكمة وجودك في الأرض تنتبه وتصحو وثاني يوم تتوب ، وتصلي ، وتغض بصرك ، وتحرر دخلك ، وتضبط جوارحك ، تشعر أنك ترقى و ترقى ، وتوفق في عملك ، وتوفق في زواجك ، وتشعر بقيمة وجودك في الحياة ، بِعِظَم الرسالة التي تحملها ، لا تفتأ تقول : والله كل هذا الخير جاءني في تلك الليلة التي سهرت بها مع فلان ، وقد كانت هذه الليلة سبب هدايتي وسعادتي ، ليلة مباركة والإنسان بلقاء وخطبة ، وبدرس علم ، وتفسير، ولقاء ، ومحاورة ، ومناقشة ، تشرق في ذهنه الحقيقة فيلقى في نفسه نور الحق ، وينطلق إلى طريق الله عز و جل ، مفعماً بالحماس والإقبال فهذه الليلة ( فأنا أُقرب المعاني) وأنت إنسان مؤمن عادي ولو كان هناك لقاء وفي هذا اللقاء جرى تبادل أفكار وطرحت موضوعات متعددة ومتعلقة بالدين ، وموضوعات دقيقة وعميقة مدعمة بالأدلة والبراهين وأنت شعرت بأن هذا الذي طرح جواباً لمشكلات تعانيها و حلول لقضايا مشكلة في حياتك ، وانطلقت بعد هذا اللقاء إلى طاعة الله و التوبة إليه ، يأتي عليك عشرون عاماً و تقول لا أنسى هذه الليلة التي كانت سبيلاً لهدايتي ، وأحيانا الإنسان يمر أمام مسجد ، ويدخل ليصلي فإذا هناك درس علم قد تكون كل سعادته من هذا الدرس، يقول لك إن سبب هدايتي هو هذا الدرس ، وسبب عودتي إلى الله ، وسبب توبتي هو هذا اللقاء ، إنها ليلة مباركة هذه ، أحياناً يتلقى الإنسان نبأ مؤلماً في مكان معين وفي زمان معين ، ويمضي عشرون عاماً في حياته ويقول هذا اليوم لا أنساه ، لا أعاده الله علي .
    
القرآن الكريم أسعد الناس في شتى بقاع الأرض :
 
في حياة الإنسان ليلة مباركة و ليلة شؤم ، ومكان مبارك و مكان غير مبارك ، وربنا عز وجل في اللحظة التي تتعرف على الله فيها ، وتهتدي إليه و تتوب إليه وتعقد الصلح معه وتنطلق إليه ، فهذه اللحظة ، أو الليلة مباركة و اليوم والمكان المباركان ، وكل شيء يحيط بهذا الحدث مبارك ، فأحياناً الإنسان يتلقى نبأ نجاحه مثلاً في محل تجاري ، وخلال خمسين سنة وكلما مرّ أمام هذا المحل يقول لك في هذا المكان تلقيت نبأ نجاحي ، وأحياناً يتلقى نبأ ساراً في مكان معين ، لكن الله عز وجل يقول : ﴿ إنا أنزلناه (أي هذا القرآن ) في ليلة مباركة ﴾ وهذا القرآن سعد به الناس جميعاً في شتى بقاع الأرض .
 
من رحمة الله بعبادهم إنذارهم و تحذريهم :
 
ما قولك بإنسان يتحرك وفق منهج ، وهذا المنهج رقي به إلى الله (ارتقى إلى الله ) وهذا المنهج جعله يقبل على الله ، ويحب الله عز وجل ، فالإنسان أيها الأخوة لا يشعر بقيمته و لا بإنسانيته ولا بسر وجوده في الحياة ولا بالمهمة التي أوكله الله إياها ولذلك : ﴿ إنا أنزلناه في ليلة مباركة﴾ فكلنا جميعاً أثناء حديثنا مع إخواننا و أصدقائنا يقول لك تباركنا ، والله يبارك فيك، منزل مبارك ، و لقاء مبارك ، وحفل مبارك ، أي لا يفتأ أحدنا أن يقول هذه الكلمة في اليوم آلاف المرات ، ومعنى البركة الخير والرحمة الواسعة ، نزل من السماء إلى الأرض حينما نزل هذا القرآن نزل على النبي العدنان عليه الصلاة والسلام .
 
﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3) ﴾
( سورة الدخان )
أي الرحمة تقتضي الإنذار .
    
وجود الله عز و جل من لوازمه أنه غفور رحيم :
 
فما معنى ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ هذه كان فعل ماض ناقص ، طبعاً تقول الجو صاح ، ضع كان في أوّل الجملة تصبح كان الجو صاحياً ، كان فعل ماض ناقص (ناقصاً ليس تاماً) الفعل التام يدل على الحدث خرج ، دخل ، أشعل ، أطفأ ، قام ، قعد ، كسر ، هذه الأفعال تامة لكنّ كان تعرب فعل ماض ناقص لأنها لا تدل على حدث تدل على زمن الجو الصاحي ، كان الجو صاحياً أي ربطنا علاقة بزمن معين ، وهذا معنى فعل ماض ناقص ، لكن حين يقول الله عز و جل : ﴿ وكان الله غفوراًً رحيماً﴾ . كيف تفسر هذه الآية أي أن الله عز و جل كان في الماضي و الآن أليس غفوراً رحيماً ؟ لا، هذه إذا أتت في مثل هذه الآيات لها معنى آخر ، أي هذه صفة مترابطة مع الموصوف ترابطاً وجودياً ، أي منذ أن كان الله هو رحيم ، ورحمته ملازمة لوجوده : ﴿ وكان الله عليماً حكيماً وكان الله غفوراً رحيماً ﴾ ، كان إذا جاءت مع اسم الله الأعظم تشير إلى هذه الصفة أو هذا الاسم متلازماً مع الذات الإلهية تلازماً وجودياً ، فوجود الله عز و جل من لوازمه أن الله غفور رحيم تلازماً وجودياً ، بحيث إن الصفة لو زالت عن الموصوف زال ، فترابط الصفة مع الموصوف ترابطًا وجودياً هذه أقوى درجة في الترابط .
    
كلمة منذرين دليل رحمة الله عز وجل :
 
نقول هذه طائرة غالية الثمن وقد تقدم بلا ثمن أحياناً فهذه الصفة ليست ملازمة لوجودها ، طائرة قدمت بلا ثمن ، قد تقول هذه الطائرة جميلة جداً قد تحترق تصبح غير جميلة أي أية صفة تلازمه هي صفة طارئة أما إذا وصفتها أنها تطير؛  فالطيران صفة مترابطة مع الموصوف ترابط وجودي فإذا ألغي الطيران ألغيت الطائرة ، هذه نقطة دقيقة جداً فحينما يصف الله جل جلاله ذاته بأنه كان عليماً ؛ أي علمه أزلي أبدي ملازم لوجوده مادام موجوداً فهو يعلم  أنها قضية ثابتة مقطوع بها ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ فالإنذار: مثلاً أنت جالس في مكان و رأيت طفلاً يقترب من المدفأة فلماذا تقوم من مجلسك و تصيح ؟ لماذا ؟ إنه دليل رحمتك ، أما لو فرضنا جندياً في المعركة وتقدم العدو أمام لغم ، فهل ينبهه ؟ لا ، ليس معقولاً أن ينبه ، هو ينتظر أن يقع في هذا اللغم ( الرحمة تقتضي الإنذار) أما الحرب فتقتضي إيقاع الأذى بالآخرين ، فكلمة منذرين دليل رحمة ، وهناك أشخاص أحياناً يتلافون وقوع الأخطار برحمة في قلوبهم لكن الذي لا يعبأ أن يقع ألم شديد بمخلوق فهذا دليل على ضعف رحمته.
    
الإنذار صفة تؤكد رحمة المنذر دائماً :
 
إذا معنى﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ ، الإنذار دليل رحمة  الله عز وجل فربنا عز وجل دائماً ينذر عباده من مغبة أعمالهم (يقول الأب انبرى لساني) فهل من المعقول أن يرى أب ابنه مقصراً بدراسته ويبقى ساكتًا ؟ ولا حركة ، يقول هو حرّ ويعرف مصيره ! إن اجتهد له وإن لم يجتهد فعليه ، فهذا ليس موقف أب أبداً ، موقف الأب  ينذر ويحذر وينصح ويتابع الأمر ، أي يقول لك انبرى لساني وأنا أنصح ابني ليدرس فالإنذار صفة تؤكد رحمة المنذر دائماً :
 
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3) ﴾
( سورة الدخان )
    
القرآن الكريم كتاب هداية أنزله الله عز وجل :
 
 
﴿فيها﴾
( سورة الدخان )
في هذه الليلة التي نزل فيها القرآن .
 
  
﴿يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4) ﴾
( سورة الدخان )
الآية  دقيقة جداً ، يفرق : يتضح ، يبين ، ينجلي . ﴿ كل أمر﴾ : من الحكمة أن يبين ، وبعض الأحيان ينتظر الإنسان أن يجد في القرآن كل شيء ، نعم هو كتاب هداية ولكن هل أنواع الفلزات واردة في القرآن ؟ لا ليست واردة ، ذلك لأنه كتاب هداية وكذلك هل وردت الصفات الكيميائية للرصاص في القرآن ؟ لا ليست واردة ، فهذه الأمور متعلقة بالدنيا والعلماء عامة وعلماء الفيزياء خاصة هم المعنيون بمتابعتها .
فالقرآن هو كتاب هداية والله عز وجل هناك أوامر بينها و قضايا أغفلها ، فالذي من الحكمة أن يبينه بينه والذي أغفله فمن الحكمة أن يغفله . إذًا فيها يفرق : يبين ، يجلي ، يوضح  كل أمر من الحكمة أن يبين ، أي هنالك اصطفاء بكتاب الله .
 
الاصطفاء في القرآن الكريم :
 
القرآن سكت عن قضايا فمثلاً لم يذكر أنواع الطعام ، أي كُلْ ما شئت ولكن من غير إسراف ولا مخيلة ، فلنفترض أن إنسانًا أكل أرزاً والثاني برغلاً والثالث فاصولياء وآخر بامياء ، فما الحكم الشرعي في ذلك ؟ ليس هناك أي شيء ، فهذه الأمور سكت الله عنها.
ومثلاً لبس أحدهم ثياباً بيضاء والآخر ثياباً ملونة ..... فاللباس يجب أن يكون ساترا للعورة والطعام يجب أن يكون حلالاً طيباً .. وكل واشرب من دون إسراف ولا مخيلة .
وكذلك التفاصيل المتعلقة بالبيوت ، عدد الغرف ، والنمط .. وقضايا لا علاقة لها بالدين ، فمسكوت عنها .
أما قضايا المرأة فربما تؤدي للفساد أو إلى البعد عن الله عز وجل ، ففيها تشريعات . وكذلك قضايا كسب المال فربما أدى هذا إلى انحراف ، ففيها تشريعات . فكل قضية من الحكمة أن تُبَين بيّنها الله عز وجل ، أي أنت مثلاً في محطة وقود ولديك مكان للوحة ، فماذا تكتب في هذه اللوحة ؟ قد تكتب ألف إعلان و لكن هنالك إعلان مصيري : ممنوع التدخين ، فالدخان ربما سبب حرق كل هذه المحطة ، أو أطفئ المحرك مثلاً فيختار الإنسان إعلانات أو بيانات متعلقة بسلامة الناس في هذه المحطة. إذاً ليس كل شيء يكتب في هذه المحطة ، فلو فرضنا كتب فيها السكر مادة غذائية ، فليس لها علاقة بالمحطة ، بل يجب أن يكتب شيئاً بسلامة المحطة .
 
مجموع القضايا التي عالجها القرآن تام لا يحتمل قضية جديدة :
 
القصد أنه ليس كل شيء في الحياة ذُكر في القرآن ، أما كل شيء أنت بحاجة إليه فتجده في القرآن ، وكل شيء من الحكمة أن يعالج ، عولج في كتاب الله ، فهذا معنى قوله تعالى:
 
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)
( سورة المائدة )
اليوم أكملت (الكمال نوعي) ، وأتممت (الإتمام عددي) ، مجموع القضايا التي عالجها القرآن تام لا يحتمل قضية جديدة ، كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، طريقة المعالجة كاملة ، لا يحتاج كتاب الله عز وجل  أن تعالج الموضوعات معالجة أعمق أو معالجة أوسع أو أطول أو أغنى ، فمن قال ذلك فكلامه مردود .
 
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)
( سورة المائدة )
وأما القضايا التي سكت عنها القرآن ليس من الحكمة أن تعالج إطلاقاً .
 
القرآن الكريم منهج الناس جميعاً :
 
إذاً :
 
﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4) ﴾
( سورة الدخان )
الله عز وجل ذكر قصة سيدنا يوسف ، ذكر تفاصيل وأغفل أخرى ، فالذي ذكره متعلق بالحكمة ، بالمغزى من القصة ، والذي أغفله لا علاقة له بالمغزى ، إذاً في هذه الليلة المباركة التي عاد خيرها على البشرية  جمعاء ، في هذه الليلة المباركة التي نزل فيها القرآن (ذلك المنهج  و الدستور) للبشرية جمعاء . في هذه الليلة يفرق - يبين - يجلي - يوضح- كل أمر من الحكمة أن يوضح ، و كما تعلمون كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع ، و إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق . أي كل شيء وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، كل شيء وقع ينبغي أن يقع ، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، هذا معنى :
 
﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4) ﴾
( سورة الدخان )
 
كلام رب العالمين لا يوازى بكلام آخر أبداً :
 
﴿أمراً من عندنا ﴾ الناس  لا يستوعبون هذا المعنى ، أي يوازن بين تشريع البشر وتشريع خالق البشر ، ليس هناك موازنة مطلقاً ، ويوازن بين قول قاله فلان مهما كان اسمه كبيراً و بين كلام خالق الكون .
 
﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ(5) ﴾
                                                                            ( سورة الدخان )
هذا كلام رب العالمين ، هذا كلام الذي خلق السماوات والأرض ، هذا كلام الخالق البارئ المصور ، رب العالمين ، بيده مقاليد السماوات والأرض ، العليم ، الحكيم ، القوي ، هذا شيء لا يوازى بكلام آخر .
 
نزول القرآن الكريم في ليلة مباركة من الله عز وجل ليرحمنا و يتجلى علينا :
 
﴿أمراً من عندنا﴾  من عند الله خالق السماوات والأرض ، ﴿إنا كنا مرسلين﴾ ما دام فعلُ كان جاء مع ذات الله عز وجل ، فالله عز وجل من أسمائه : الرحيم ، وهذا من أسمائه الحسنى: الحكيم ، الرؤوف ، العدل . ﴿إنا كنا مرسلين﴾ : لماذا أنزلناه في ليلة القدر ؟ ﴿في ليلة مباركة﴾ ، ولماذا في هذه الليلة ؟ ﴿يفرق كل أمر حكيم ﴾. قال : ﴿رحمة من ربك﴾ : إعرابها مفعول لأجله ، كأن تقول وقف الطلاب احتراماً للمدرس ، لماذا وقفوا ؟ المفعول لأجله يجاب عنه بكلمة لماذا ، لماذا أنزل الله هذا القرآن في ليلة مباركة ؟ ولماذا أنذر الله عباده بهذا القرآن ؟ وأرسل أنبياءه ؟ لماذا أرسل نبيه بهذا القرآن ؟ قال : ﴿رحمة من ربك﴾ : ليرحمنا ، ليتجلى علينا ، ليسعدنا في الدنيا والآخرة ، خلقنا ليسعدنا ، خلقنا ليرحمنا ، لا كما يقول الجهلة .
 
المصائب مناقضة للرحمة و لكن تقتضي رحمة الله عز وجل أن يفعل هذا ليردك إليه :
 
إخواننا الكرام ، لماذا صنعت السيارة ؟ صنعت لتسير ، سيرها علة صنعها ، كان من الممكن أن تشتري سيارة بلا عجلات وترفعها على أعمدة ، ولكن هذه ليست سيارة ، السيارة صنعت من أجل أن تسير ، إذاً لماذا فيها مكابح ؟ المكبح يفعل فعلاً مناقضاً لحركتها ، ومهمته أن يوقفها ؟ فتشعر أحياناً أنه ضروري لسلامة صاحبها ، وأحياناً السلامة ليست بالحركة بل بالوقوف ، لذلك مع أن المكبح يناقض علة صنع السيارة فهو يوقفها ، لكنكم تعلمون جميعاً أن إيقاف المركبة هو أسلم شيء أحياناً في السيارة ، فإذا وقفت ينجو صاحبها من الهلاك ، أما إذا بقيت تسير فيهلك صاحبها ، فلو أن طريقاً تنتهي بواد وليس هناك إشارات مسبقة ، فلما فوجئ السائق أنه اقترب من الوادي يقف ، فالوقوف ضمناً فيه سلامة السيارة . ولذلك فالمصائب هي مناقضة للرحمة فهو خلقنا ليرحمنا وليسعدنا ، فالفقر والمرض والقهر والسجن هذه الآلام كلها مكابح ، تقتضي رحمة الله عز وجل أن يفعل هذا لذلك قال تعالى :
 
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)  
( سورة الأنعام)
فبعض الأحيان تكون كل سعادتك على أثر مصيبة ، كل السعادة بعد مشكلة ، بعد ضائقة ، وملمة ، وتضييق ، وتشديد . فالسعادة قد تكون لفتة إلى الله عز وجل وهذه اللفتة تحتاج إلى صعق أحياناً . القلب يقف أحياناً فيستخدم أطباء القلب صعقة كهربائية ، فبهذه الصعقة ينبض والصعقة مؤلمة جداً ولكن هذا الألم الشديد دفع القلب إلى الحركة  .
 
الله عز وجل يعلم السر و ما يخفى :
 
إذاً :
 
﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(6) ﴾
( سورة الدخان )
هو السميع لما تقول ، العليم لما تنطوي عليه نفسك ، فلو لم تتكلم يعلم ، فنحن مع بعضنا : أنت لا تعلم إلا إذا قلت لك ولكن إذا بقيت ساكتاً فأنت لا تعلم ، مثلاً أقول لك إني أعاني هذه المشكلة : فالآن علمت بهذه المشكلة بعد أن أعلمتك بها أما لو بقيت ساكتاً فأنت لا تعلم ، وربنا عز وجل إنه هو السميع العليم ، فإن تكلمت يعلم فهو السميع ، و إن لم تتكلم يعلم فهو العليم أي يعلم ما تقول ، و مالا تقول ، وما يخفى عنك ، وما أعلمته وما أسررته لذلك قال سيدنا علي : علم ما كان و علم ما يكون وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، فمثلاً إنسان على الدخل المحدود جيد السيرة فلو صار معه ألف مليون لا يعلم حاله إلا الله ؛ على الدخل المحدود جيد أما على الغنى فقد ينتكس و قد يغدو إنساناً آخر .
 
من كان الدين خارج اهتمامه لا يسمع مهما بينت له :
 
﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ(5)رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(6)رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ(7) ﴾
( سورة الدخان )
معنى موقنين هناك شرح لغوي دقيق ، الفرق بين التقي والمتقي : المتقي يريد أن يكون تقياً ، فهو غير التقي  ، فالتقي بلغ  التقوى لكن المتقي في طريقه إليها ، ويريد أن يكون في هذه المرتبة ، والموقن هو الذي يبغي اليقين ، فالمشكلة هو أن في الآية  إشارة دقيقة ؛ فأنت إذا أردت أن لا تعلم ،  لا تعلم ، ولن تعلم إلا إذا أردت أن تعلم ، ولهذا قال بعضهم : لم أجد أشد صمماً من الذي يريد أن لا يسمع ، تجد أحياناً إنساناً لا يعنيه من كل هذا الموضوع شيء ، فلو دعوته لسماع شريط أو قراءة مقالة أو حضور درس فلا الدرس و لا الشريط و لا القراءة يعنيه ، والدين خارج اهتمامه إجمالاً و تفصيلاً ، ولذلك مهما حاولت أن تبين و أن تفصل فهو لا يسمع، هو في واد و أنت في واد .
 
الإنسان مخير لا مسير :
 
الله عز وجل قال : ﴿ رب السماوات والأرض و ما بينهما ﴾... لكن أنت أيها الإنسان لا تعلم ولا توقن إلا إذا أردت أن تعلم وأردت أن توقن ، فأحياناً يدخل الإنسان إلى محل تجاري و يكون في المحل مئات الأنواع من البضائع ، هو يبحث عن نوع واحد من البضاعة فلو أن البائع عرض عليه بضائع أخرى يبين له ميزاتها (صفاتها) وسعرها الرخيص لوجود رخصة فالإنسان يبغي حاجة واحدة من كل هذا المحل ، فلذلك مهما تكلم البائع وبيّن وفصّل وبيّن مميزات الحاجة وأسعارها الرخيصة والتي لا تنافس ، يجبه هذا الإنسان بأن كل هذه الأمور لا تعنيه هو يريد حاجة معينة . فأنت لما تبين لإنسان شارٍ ميزات حاجة لا يريدها فالكلام موقف مضحك ، وجهد ضائع ، وجهد غير مجد لا تبين لإنسان ما لا يريد . قال : ﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما ﴾ فأنتم لا تعلمون قيمته ولا عظمته و لا ربوبيته ولا قدرته ولا رحمته إلا إذا كنتم موقنين ، أي إلا إذا أردتم اليقين . ولذلك فالإنسان مخير ، وأبو لهب عاش مع النبي صلى الله عليه وسلّم ، أنت تتمنى أن تراه في المنام فلو رأيته في المنام أعتقد بأنك تبقى أشهراً و أنت مغموس في سعادة لا توصف ، وأبو لهب كان معه ، رآه رأي العين لكنه لم يرد أن يؤمن .
 
إذا أردت الحقيقة كل شيء يعلمك :
 
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ(7) ﴾
( سورة الدخان )
أيْ إذا أردتم اليقين حتى يؤثر بكم . أي أحياناً إن لم يكن في آلة التصوير فيلم فمهما وقفت أمام منظر جميل وجهدت أن تجعل الشجرة ضمن هذا المنظر وأن تضبط المسافة والسرعة و الفتحة وحاولت أن تعمل أرضية من الورد مثلاً و فوق الشجرة منظر بحر .... كل ذلك بلا جدوى ، فلا تتعب حالك كل هذا الجهد ضائع لأن الإنسان رفض الهدى ، أما إذا أردت اليقين كل شيء يعلمك ، فأحياناً الكافر يعلمك و كلمة تعلمك ، ومنظر . وقد سمعت عن شيخ من شيوخ الأزهر بدأ بطلب العلم (غير الأنصاري) بالخمسين بدأ يتعلم القراءة والكتابة ، وبالخمسين حفظ القرآن و طلب العلم و ما مات إلا شيخاً للأزهر و لكن من علمه ؟ نملة علمته ، صعدت على الحائط أمامه 48 مرة وتقع وكان عمره آنذاك 48 سنة فقال النملة أذكى مني ؟ 48 مرة صعدت ثم وقعت و هي تعيد الكرة فهذا رجل اتعظ بالنملة و طلب العلم و ما مات إلا شيخاً للأزهر ، نملة علمته . أي أنت إذا أردت الحقيقة كل شيء يعلمك ، فالكون و الحوادث  وكل شيء يعلمك . بحياتنا آلاف المواعظ ، فالحوادث التي نحياها ، ونعيشها ، ونراها ، ونسمع بها هي مواعظ كبيرة جداً . والقرآن فيه كل شيء ، السنة ، وكذلك السيرة ، والفقه .
 
من أراد أن يرى الله فالله عز وجل لا إله إلا هو :
 
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ(7) ﴾
( سورة الدخان )
أي إذا أردتم اليقين ، أي أردتم أن تروا ربكم و رب آبائكم الأولين .
 
﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ(7)لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾
( سورة الدخان )
لا يوجد غيره ، كل ما سواه صورة ، قال تعالى :
 
﴿  وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى ﴾ .
( سورة الأنفال الآية : 17 ) .
ما هذه الآية ؟ ﴿وما رميت﴾ الله عزا الفعل له ، ﴿إذ رميت﴾ لم ترم أنت﴿ ولكن الله رمى﴾ .
 
عدم خوف المؤمن لأن هذه الحياة بيد الخالق سبحانه :
 
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10)
( سورة الفتح )
 
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .
( سورة الزمر ) .
 
 
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 54 ) .
 
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ .
( سورة هود الآية : 123 ) .
 
﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ(7) ﴾
( سورة الدخان )
بيده الحياة وبيده الموت ولذلك فالمؤمن لا يخاف لأن هذه الحياة بيد الله ، لا يستطيع مخلوق أن ينهيها و لو رأيت في الظاهر أن إنساناً حكم على إنسان بالإعدام ، فالمقتول يقتل في أجله ، وهذه الحياة بيد الله ، هو المحيي وهو المميت ، والإنسان إذا أيقن أن الحياة بيد الله والموت بيد الله سعد واطمأن وارتاح وصار شجاعاً وترك النفاق .
 
الحياة و الرزق بيد الله وحده :
 
شيئان خطيران : الحياة والرزق والله عز وجل قطع أمر العباد عن موضوع الحياة والرزق ، فالحياة بيد الله والرزق بيد الله ، و لا يستطيع مخلوق أن يمنح الحياة و لا أن يسلب الحياة ، ولا أن يعطي ولا أن يمنع .
 
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾ .
( سورة فاطر الآية : 2 ) .
 
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾
( سورة الدخان )
لا معبود بحق إلا هو ، ولا رازق ، ولا معطي ، ولا مانع ، ولا رافع ، ولا خافض ، ولا ممد ، ولا باسط ، ولا قابض ، ولا معزّ ، ولا مذل إلا الله هذه معناها ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ .
 
من أيقن أن الأمر كله بيد الله عز وجل فلن يعبد غيره :
 
إذاً : لا معبود بحق إلا هو ، ولا يستحق أحد العبادة إلا الله ، لأنه بيده كل شيء ، أي أنت قد تكون موظفاً بدائرة فتعرف من أقوى واحد فيها فتجد بأن كل الولاء له ، قد يكون أقل من قمة الدائرة لأسباب  أو لأخرى ، قد يكون معاون المدير وأقوى من المدير فيكون الولاء كله لهذا وليس للآخر  ، شعرت بأنه الأقوى فسلكت سلوكاً طبيعياً ، فأنت تمنح ودك واهتمامك  وكل وسائل التكريم لمن بيده الأمر  في عملك . فإذا أيقنت أن الأمر كله بيد الله ، وحده لا شريك له .
 
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ(8) ﴾
 ( سورة الدخان )
فالله عز وجل أليس برب الصحابة الكرام الذين أعطاهم و نصرهم و أيدهم ومكنهم في الأرض وطمأنهم و استخلفهم ؟ أليس  ربنا ربهم ؟ أليس ربهم ربنا ؟ هو هو ، العلة فينا ، في تقصيرنا .
 
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) .
( سورة مريم)
فاعتقد أنه ربكم ورب آبائكم الأولين ، هو هو .
 
من كانت عقيدته مفعمة بالشك و سلوكه لعب خسر الدنيا و الآخرة :
 
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ(9) ﴾
( سورة الدخان )
أي أن كلام الله موجز و قد يكون إعجاز كلام الله في إيجازه .
 
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ(9) ﴾
( سورة الدخان )
أي عقيدتهم مفعمة بالشك و سلوكهم لعب ، فبعض الأحيان تجد الناس منهمكين في لعب وفي مباريات ومنافسات ، فتقول أَمَعْقُول ثمانمئة مليون إنسان يتابعون مباراة بالعالم ؟ يلعبون ، هي فعلا أساساً لعبة ، يلعبون (أي عمل بلا هدف)  فلو أن فلان أدخل هذه الكرة ، ماذا حدث في العالم ؟ هل حصل رخاء اجتماعي ؟ وهل حصل تكافؤ فرص ؟ وهل التغى الفقر في العالم ؟ التغى الظلم في العالم ، فماذا حدث ؟ ما حدث شيء ، اللعب عمل بلا جدوى ، ولا هدف ، وأحياناً يرى الإنسان طفلاً صغيراً يمسك بعلبة ثقاب ويسيرها كسيارة ، وهو فرح بذلك ، وإذا أخذها أحدهم منه يبكي  بدموع سخية ، فهو تصور علبة الثقاب سيارة يسيرها على الأرض ، فأنت ترى صغر عقل هذا الصغير ، علبة ثقاب يمسكها الطفل ويحدث لها صوتاً وكأنها سيارة لو أخذتها منه لبكى ، فوالله الذي لا إله إلا هو لو نظر مؤمن (أكرمه الله بسعة الأفق والقرب من الله عز وجل) إلى إنسان بعيد عن الله ، غافل ، غارق في هواية من هوايات الأرض و الله يراه مثلما يرى الكبير الطفل الصغير بهذه الطريقة : ضيق الأفق وسخيف العقل يعمل عملاً لا طائل منه و يستهلك وقته بلا جدوى .
 
لا تصح حركة الإنسان إلا إذا عرف الهدف من وجوده في هذه الدنيا :
 
 الله عز وجل قال :
 
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ(9) ﴾
( سورة الدخان )
أي أوصاف ربنا عز وجل هي أوصاف بليغة ، صفتان : في عقولهم شك و في حركتهم لعب ، والآن أحياناً تجد بعض الألعاب تكلف مئات الملايين ، ألوف الملايين ، وتجذب مئات الملايين و في النهاية ليس لها هدف إلا إملاء وقت فراغ أو استقطاب الناس  ، طبعاً الإنسان بلا غاية ، خلق بلا غاية ، بلا هدف ، تصور أن إنساناً ذهب لفرنسا ليدرس (مثل واضح) أي هو راح لمهمة واحدة أن يأتي بدكتوراه ، و يجوز بفرنسا أشياء ملهية جداً فهنالك المتحف والمقاصف و المسارح و فيه مكتبات ودور لهو ، أشياء كثيرة تجذبه  ، لكن إذا غفل الإنسان عن مهمته  و عن هدفه الكبير تصبح حركته عشوائية . لنضرب هذا المثل : أحدهم ذهب إلى فرنسا ونام  في الفندق  وبعد أن استيقظ لديه سؤال كبير جداً ، لماذا أنا هنا ؟ كل إنسان مسافر لديه هذا السؤال : لماذا أنا هنا ؟ أي إن كنت قد جئت تاجراً  فتجده باليوم التالي بعد الثامنة صباحاً يأكل و يلبس ومعه العناوين ، إلى أين ذهب ؟ إلى المعامل و المؤسسات لأنه جاء هذه البلدة تاجراً  فالحركة صحت لأنه عرف الهدف .
آخر أتى طالب علم ، نام في الفندق استيقظ صباحاً ، وتناول طعام الفطور ، ولبس وراح إلى السوربون ، فلأنه جاء طالب علم توجه نحو المعاهد و الجامعات .
الآخر أتى سائحاً ، نام بالفندق استيقظ تناول طعام الفطور ثم لبس بعدها و ذهب إلى برج إيفل مثلاً ، فما الذي حدد الحركة : معرفة الهدف . وأنت في الدنيا ، متى تصح حركتك ؟ تجد بأنك رتبت زواجك مع عملك ومهنتك وتربية أولادك ولهوك وحزنك كله ضمن منهج واحد لهدف . لا تصح الحركة إلا إذا عرف الهدف .
 
من جاءت حركته موافقة لهدفه سعد في الدنيا و الآخرة :
 
الآن عرفنا الهدف ، كيف نسعد ؟ لا تسعد إلا إذا جاءت الحركة مطابقة للهدف . فمثلاً (أنا أستخدم هذا المثل كثيراً) طالب على وشك أن يؤدي امتحاناً صعباً بآخر مادة في سنة التخرج و اختصاصه مهم جداً ونادر ويعلق أهمية كبرى على نجاحه ، والآن جلس في غرفة مظلمة قميئة تحت الدرج وفتح الكتاب المقرر  وقرأ بشغف ونهم واستوعب وحفظ وغلب على ظنه بأنه سينجح في هذه المادة ، تجد أعصابه مرتاحة لأنه الدراسة والمذاكرة والفهم والتحضير ومناقشة الفقرات في الكتاب تفوق فيها ، إذا غلب على ظنه أنه سينجح ، حقق هدفه فسعد .
وهذا الطالب نفسه لو جاء أصدقاؤه و أخذوه قبل الامتحان بأسبوع إلى مكان جميل على البحر أو في جبل أخضر وأطعموه أطيب الطعام و أصدقاؤه يحبهم حباً جماً فالمكان جميل وراحة وكلام لطيف وطعام طيب ، فلماذا ينقبض ؟ لأن هذه الحركة ، والنزهة ، تتناقض مع الامتحان ، ويحس بالانقباض ، كلمتان : متى تصح حركتك ؟ إذا عرفت هدفك ، والثانية متى تسعد ؟ إذا جاءت حركتك موافقة لهدفك . فالذي ذهب لفرنسا ببعثة ولا يكون معه دكتوراه ، فأمضى وقته كله في الملاهي و في المتاحف وفي المتنزهات ، يحس بانقباض وضيق عميق لأنه لم يأت ليتنزه بل أتى ليدرس .
 
النفس البشرية لا ترتاح إلا إذا عرفت بأنها مخلوقة لمعرفة الله و طاعته :
 
النفس البشرية لا ترتاح إلا إذا عرفت هدفها و عرفت بأنها مخلوقة لمعرفة الله و لطاعته ، فتجد المسلم قد تكون حياته خشنة ، وقد يكون وقته كله ملآن  بالمشاغل لكنه سعيد لأنه شاعر بأنه يتحرك ضمن هدف واضح . هذه الدنيا هي دار ابتلاء وليست دار استواء ، ودار تكليف لا دار تشريف ، ودار عمل لا دار جزاء،  فإذا جهد كالتاجر في الموسم لا يعرف إن كان قد أكل أم لا من كثرة البيع والمردود ، وهو يتمنى أن يكون في بيع كثير ولا يعود إلى بيته ، أحياناً لا يكون هنالك بيع إطلاقاً فهو مرتاح ولكن متضايق لكساد بضاعته وكثرة التزاماته  فالإنسان لا يسعد إلا إذا جاءت حركته اليومية مطابقة لهدفه ، ولا يعرف صحة الحركة  إلا إذا عرف الهدف الحقيقي ، لذلك أيها الأخوة أن تعرف لماذا خلقك الله عز وجل ؟ ولماذا أنت في الدنيا ؟ و ماذا قبل الموت ؟ وماذا بعد الموت ؟ و ما البرزخ ؟ و ما الدار الآخرة ؟ فهذه أساسيات  يجب أن تعرفها قبل كل شيء و لاشيء يعلو عليها ، ولديك أولويات في حياتك أن تعرف من أنت ، هويتك ، هناك أناس يعيشون على هامش الحياة ، أي كالناقة عقلها أهلها ثم أطلقوها لا تدري لم عقلت و لم أطلقت ؟
فإنسان يسير يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت ، وإن أساؤوا أسأت ، وأكثرية الناس بهذا الشكل ، وكذلك الناس ، الزي ، والترتيب ، وكذلك جميع التجار ، وكل الأعراس ، مع الناس . لا يكن أحدكم إمعة ، من هو الإمعة ؟ الذي يقول أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت وإن أساؤوا أسأت ، أي فكره معطل وهو أخطر شيء أودعه الله فيه .
 
شعور الإنسان أن الله عز وجل وعده بالجنة هذا الوعد ينسيه كل متاعب الحياة :
 
فنحن يجب أن نعرف لماذا خلقنا ؟ و ما المهمة التي أوكلت بنا ؟ وما ذا بعد الموت ؟ لذلك عندئذ تتوقف كل حركاتك ، نشاطك ، مهنتك ، بيتك ، أولادك ، وحتى أوقات الفراغ تملؤها وفق هذا الهدف ، واللهو الذي سمح الله به  تفعله وفق هذا الهدف ، والعلاقات الاجتماعية ، والمناسبات ، وكل حركة ، وكل سكنة مبنية على هدف مسبق نابع من عقيدتك الصحيحة . ولذلك حضور مجلس العلم ينمي في الإنسان التصورات الصحيحة و المقتبسة من منهج الله عز وجل .
الإنسان يجد نفسه بعد فترة حركته صحيحة ، سلوكه منضبط ، علاقاته كلها وفق منهج الله عز وجل ، هذا يعطيه راحة نفسية فتجد المؤمن سعيداً ، أسباب سعادته شعوره بأنه يسير بشكل صحيح و كذلك شعوره بأن في انتظاره عطاء كبيراً ، شعوره بأن الله عز وجل وعده بالجنة و هذا الوعد ينسيه كل متاعب الحياة . ومرة قال لي أحدهم أنت تقول إن المؤمن سعيد و لكني أراه كبقية الناس فقلت له : إذا افترضنا أن شخصاً فقيراً دخله أقل من مصروفه بكثير ولكنه فجأة ورث مبلغاً كبيراً جداً ، وليتمكن من الحصول على ميراثه يحتاج إلى عامين من معاملات إدارية مختلفة فلماذا هو في هاتين السنتين هو أسعد الناس ؟ علماً بأنه لم يحصل على شيء لكنه  موعود . الله قال :
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا ﴾ .
( سورة القصص الآية : 61 ) .
أي سر سعادة المؤمن الله وعده بالجنة و الدنيا مؤقتة وهو راضٍ عن حاله .
 
الخاسر من علّق آماله كلها على الدنيا و العاقل من علّق سعادته بالآخرة :
 
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) ﴾ .
 ( سورة القصص الآية : 61 ) .
تجد الواحد منا يرتب ويرتب ، لديه قلق عميق فلو مات فجأة لأن عنده مشكلة متعلقة بالقلب تجده انهار وكل هذا التعب على الأرض لغيره ، فلما يعلق الإنسان أمله بالدنيا فهو يقامر بسعادته مقامرة ويغامر بها . أما إذا علق سعادته بالآخرة  تجده يقبل كل مشكلة ، يمتصها امتصاصا لأنّ هدفه حاصل . إذا :
 
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ(9) ﴾
( سورة الدخان )
أرجو  من الله عز وجل أن نكون في يقين و لا نلعب ، نتحرك وفق ما يرضي الله ، إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ودنيها ، وشرف المؤمن قيامه في الليل وعزه استغناؤه عن الناس .
 
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ(9) ﴾
( سورة الدخان )
وفي درس قادم إن شاء الله تعالى نشرح :
 
﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ(10)يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ(11) ﴾
( سورة الدخان )
والحمد لله رب العالمين

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب