سورة الأعراف (007)
الدرس ( 25 )
تفسير الآيات: (59 ـ 62)
معاناة النبي في نشر هذا الدين العظيم ـ كل الرسالات السماوية واحدة ومتكاملة
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الخامس والعشرين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية التاسعة والخمسين ، وهي قوله تعالى :
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ
1 – قصصُ الأنبياء تثبت قلبَ النبي عليه الصلاة والسلام :
أيها الإخوة ، هذه الآية مهمتها أن تخفف عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعانيه من تكذيب ومعارضة ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾
( سورة هود الآية : 120 )
قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في نصف هذه الآية يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه ، لست وحدك يا محمد الذي يُكذب ، لست وحدك يا محمد الذي يعاني ما يعاني ، لأن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية ، وطّنوا أنفسكم على ذلك ، كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب آخر ، وكان من الممكن أن يكونوا في قارة أخرى ، وكان من الممكن أن يكونوا في حقبة أخرى ، ولكن شاءت حكمة الله أن نجتمع معاً في كل زمان ومكان ، وهذا الاجتماع يقتضي معركة أزلية أبدية من آدم إلى يوم القيامة .
2 – لابد من الابتلاء في الدعوة إلى الله :
حينما يوطن الإنسانُ نفسَه على واقع يقبله ، ويتعامل معه ، ومعركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية ، يا محمد لست بدعاً من الرسل ، لست وحدك الذي تُكذب ، لست وحدك الذي تؤذى ، قال عليه الصلاة والسلام :
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ )) .
[ أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان]
(( قال : يا رسول الله إني أحبك ، قال : انظر ما تقول ، قال : والله إني أحبك قال : انظر ما تقول ، قال : والله إني أحبك ، قال : إن كنت صادقاً فيما تقول للفقرُ أقرب إليك من شرك نعليك )) .
[ ورد في الأثر]
هناك ابتلاء وامتحان .
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
( سورة العنكبوت ) .
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 214 ) .
مستحيل وألف ألف مستحيل ألا تمتحن ، أو ألا تبتلا .
قيل للشافعي : " يا إمام ، أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال : لن تمكن قبل أن تبتلى " .
قال تعالى :
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾
( سورة المؤمنون ) .
يا محمد لست :
﴿ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ﴾
( سورة الأحقاف الآية : 9 ) .
لست وحدك الذي تُكذَّب ، لست وحدك الذي تُعارَض ، لست وحدك الذي يُنكل بك ، هذه سنة الله في الخلق .
فاتني أن أقول لكم : لماذا أراد الله أن نكون معاً ، في كل زمان ، وفي كل مكان ؟ لماذا أراد أن يكون أهل الحق مع أهل الباطل في كل مكان ؟ على مستوى الأسرة ، على مستوى الحي ، على مسنوى الدائرة ، على مستوى المستشفى ، على مستوى المدرسة ، أناس مع الحق في أعلى درجة من الكمال ، أناس في أدنى درجة من السخف والاستهزاء والتنكيل ، هذه سنة الله في الأرض ، الحكمة منها أن الحق لا يقوى إلا بالتحدي ، وأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالتضحيات .
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾
( سورة آل عمران ) .
يجب أن تؤمن أن الابتلاء أحد سنن الله في الأرض ، أنت ممتحن .
3 – الإنسانُ ممتَحَنٌ في كل شيءٍ :
بالمناسبة : أنت ممتحن فيما أعطاك الله ، أعطاك صحة ممتحن بها ، أعطاك مال ممتحن به ، أعطاك مكانة ممتحن بها ، أعطاك علم ممتحن به ، وممتحن أيضاً فيما زوي عنك ، كنت تتمنى أن تكون ذا دخل غير محدود ، فدخلك محدود ، هذا امتحان ثانٍ ، كنت تتمنى أن تكون لك زوجة على نمط آخر ، فكانت على نمط لا يرضيك ، هذا امتحان ثانٍ ، أنت ممتحن فيما أعطيت ، ممتحن فيما زُوِيَ عنك .
لذلك من أدق أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ )) .
[ الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ ]
يا رب ، أعني على توظيفي في مرضاتك ، قال تعالى :
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ﴾
( سورة القصص الآية : 77 ) .
ابتغِ بالمال الدار الآخرة ، ابتغِ بوسامتك الدار الآخرة ، ابتغِ بفصاحتك الدار الآخرة ، ابتغِ بعلمك الدار الآخرة ، ابتغ بغناك الدار الآخرة ، ابتغِ بوجاهتك الدار الآخرة ، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾ .
لذلك :
(( اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ ، وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ )) .
[ الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ ]
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) .
[ مسلم ]
يا محمد لا تحزن ، لا تحزن ، لا تضجر ، لا تيأس .
﴿ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ﴾
( سورة الأحقاف الآية : 9 ) .
الأنبياء السابقون كُذبوا ، وأوذوا ، وسُخر منهم ، وكلما مر عليه ملأ من قومهم سخروا منه ، والآن المؤمن يُسخر منه ، محدود ، جامد ، متزمت ، لا يتحرك ، لا يطلع على ما في الدنيا من مباهج ، يخاف من المرأة أن يختلط بها .
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾
( سورة المطففين ) .
الكافر يضحك قليلاً ، وسيبكي كثيراً ، أما المؤمن فقد يبكي قليلاً ، ولكن سيضحك كثيراً ، حينما يولد الإنسان كل من حوله يضحك ، وهو يبكي وحده ، أما إذا وافته المنية فكل من حوله يبكي ، فإذا كان بطلاً يضحك وحده .
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾
( سورة يس ) .
لذلك : ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴾ .
فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ
قال بعض علماء البلاغة : ﴿ لَقَدْ ﴾ تقترب من القسم ، ﴿ لَقَدْ ﴾ حرف تحقيق ، كأن تقول : والله لقد زرتك ، أو لقد زرتك ، تقترب من القسم .
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ﴾ .
علّةُ وجود الإنسان عبادةُ الله وحْدَه :
علة وجودنا أن نعبد الله من الجهة التي ينبغي أن نعبدها ؟ الجهة التي خلقت ، والجهة التي صورت ، والجهة التي أبدعت ، والجهة التي ترزق ، والجهة التي تحي وتميت ، هذه الجهة ينبغي أن تعبدها .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
( سورة البقرة ) .
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾ .
مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ
لا إله بحق ، ولا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل ، ولا معطي ، ولا مانع ، ولا رازق ، ولا جبار إلا الله ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾
( سورة فاطر الآية : 2 ) .
يا رب ، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾ .
صحتك ، أجهزتك ، حواسك ، زوجتك ، أولادك ، رزقك ، دخلك ، مَن هم أقوى منك ، من هم أضعف منك ، من هم كانوا على شاكلتك ، كل أمورك بيد الله .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ )) .
[ ابن ماجه] .
(( اعمل لوجه واحد يكفِك الوجوه كلها )) .
[ أخرجه ابن عدي والديلمي عن أنس ] .
﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾ .
(( لا يرجو عبد إلا ربه ، ولا يخافن إلا ذنبه )) .
[ مسند الفردوس عن علي بن أبي طالب ] .
هذا التوحيد ، التوحيد أن توحد وجهتك إلى الله ، التوحيد أن تتوكل على الله التوحيد أن ترضي الله ، التوحيد أن تتقي سخط الله ، التوحيد أن تتعامل مع الله وحده .
﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ .
إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
حينما يتخذ الإنسان إلهاً آخر الآن سيرضي هذا الإله الآخر ، سواء كان رجلا قويا ، رجلا غنيا ، قد يتخذ شهوته إلهاً ، إذا كان يحب زوجته ، وكانت فاسقة ويرضيها من أجل أن تبقى عليه راضية فقد اتخذها إلهاً ، إذا أراد أن يرضي ابنه في معصية الله اتخذه إلهاً ، إذا أراد أن يرضي من فوقه ، وخاف أن يصوم في رمضان فأفطر أمامه اتخذه إلهاً .
لذلك أيها الإخوة ، الذي يتخذ من دون الله إلهاً أمامه عذاب عظيم ، لأنه سوف يخرج عن منهج الله ، وسوف يرضي هذا الإله الذي اتخذه إلهاً ، ولئلا تقعوا في حيرة ، كأن يقول إنسان لإنسان : أنت إله ، لكن يعامله كإله ، إذا أمره بمعصية ينفذ أمره فوراً ، إذا أبعده عن عمل خير ينفذ أمره فوراً ، أنا لا أقول : في عالم المسلمين من يقول : هذا إله ، لكن العبرة أنه يُعامل كإله ويُطاع في معصية .
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ﴾ .
العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، ﴿ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ .
سيدنا عمر كان له مظهر لم يكن يُرضي بعض ولاة الشام ، قال له أحدُهم : يا أمير المؤمنين ، أهكذا تقدم عليهم هكذا ؟ قال له : << يا أبا عبيدة ، والله لو قالها غيرك لنكلت به ، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغير الله أزلنا الله >> .
انظروا إلى المسلمين اليوم ، يبتغون العزة بغير الله ، بعلاقات طيبة مع أعدائهم ، بتطبيع العلاقات ، بالخضوع والانبطاح ، هؤلاء حينما يفعلون هذا يزدادون عند الله ذلاً ومهانة ، ومهما ابتغينا العزة بغير الله أذلنا الله .
عداوة الكفار لخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام :
أيها الإخوة ، لماذا العداوة التي صُبت على النبي عليه الصلاة والسلام ؟
بالمناسبة ، كلما ارتقيت في سلم النجاح ازداد الخصوم ، حتى في بعض الأقوال أنه " لا بد للمؤمن من مؤمن يحسده ، ومن منافق يبغضه ، ومن كافر يقاتله ، ومن نفس ترديه ، ومن شيطان يغويه " .
الأنبياء جميعاً كان لهم مكان محدد ، وزمان محدد ، لكل قوم نبي ، زمان محدد مكان محدد ، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام أُرسل إلى كل الأمكنة ، هو :
﴿ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾
( سورة الأنبياء ) .
أُرسل إلى كل الأزمنة ، إلى نهاية الدوران ، لا شك أنه سيد الأنبياء والمرسلين ورسالته تشمل الأمم أجمعين ، والأزمنة كلها ، فلذلك كان التكذيب .
بالمناسبة : لماذا أوذي النبي في الطائف ؟ لأنه قدوة لنا ، قدوة للدعاة إلى يوم القيامة ، أي إنسان دعا إلى الله ، هناك من عارضه ، هناك من انتقده ، هناك من مكر به ، هناك أقوياء عليه ، لك في النبي أسوة حسنة ، ذهب إلى الطائف وكُذب ، وسُخر منه ، وأغري الصبيان بأن يضربوه ، وضربوه ، وسال الدم من قدمه الشريف ، قال :
(( يا رب ، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي )) .
[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر ]
مَن أنت أمام النبي عليه الصلاة والسلام ؟ لما قال :
(( يا رب ، إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا رب المستضعفين إلى من تكلني ؟ إلى صديق يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي )) .
[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر ]
هذا الدعاء يصلح لكل مسلم الآن ، لكل مسلم ، لأن الذي يعانيه المسلمون شيء لا يحتمل ، إن كان هناك من خط بياني فهم في الحضيض الآن ، العالم كله يتّهمهم بالإرهاب وبالجهل وبالتخلف ، العالم متفق على التنكيل بهم ، متفق على إفقارهم ، متفق على إضلالهم متفق على إذلالهم ، متفق على إفسادهم ، متفق على إبادتهم .
دعاء النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف يصلح لكل مسلم الآن ، ولكن أراد الله أن يمكنه من أن ينتقم منهم ، فجاءه ملَك الجبال قال :
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )) .
[ متفق عليه عن عائشة]
الْأَخْشَبَيْنِ : أي الجبلين ، هنا البطولة ، لم ينتقم منهم ، قال :
(( بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
لم يتخلَ عنهم ، ودعا لهم ، واعتذر عنهم ، إنهم لا يعلمون ، وتمنى على الله أن ينجبوا ذرية صالحة ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده .
الخط البياني في النهاية ، جاء الإسراء والمعراج ، قال تعالى :
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
( سورة الإسراء الآية : 1 ) .
لو أن شخصا ضعيفا في حفظ القرآن الكريم أيّ كلمتين تناسبان هذه الآية ؟ أنا أعتقد :
﴿ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
( سورة الأحقاف ) .
لأنه نقله من مكة إلى بيت المقدس ، أسرى به ، وعرج به إلى السماوات العُلا حتى بلغ سدرة المنتهى ، إذاً : ﴿ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ، لكن الآية ليست كذلك ، قال تعالى :
﴿ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
( سورة الإسراء الآية : 1 ) .
يا محمد سمعنا دعاءك في الطائف ، سمعنا تضرعك ، سمعنا أنك قلت : إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، سمعنا دعائك في الطائف ، وهذا هو التكريم ، أنت سيد الأنبياء والمرسلين .
العبرة بالنتائج والخواتيم :
لذلك أيها الإخوة ، ما من محنة تصيب المؤمن إلا ووراءها منحة من الله ، وما من شدة تصيب المؤمن إلا ووراءها شدة إلى الله .
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
( سورة آل عمران ) .
العبرة بالنتائج ، هؤلاء الأقوياء الأشداء المسيطرون في عهد النبي زعماء قريش ، سادة قريش ، كبراء قريش ، علية القوم ، الأغنياء ، الأقوياء ، الذين تفننوا في التنكيل بأصحاب النبي ، أين هم الآن ؟ في مزبلة التاريخ ، قل : أبو جهل ، ماذا تقول بعدها : الله يرضى عنه ؟! دمره الله ، لعنه الله ، قل : سيدنا الصديق ، رضي الله عنه وأرضاه ، سيدنا عمر ، هؤلاء الذين وقفوا مع الحق هم في أعلى عليين ، الحياة هكذا ، إياك ، ثم إياك ، ثم إياك أن تقف في خندق معاد لدين الله ، كن مع الحق ، كن ذنباً لأهل الحق ، ولا تكن رأساً لأهل الباطل ، أهل الحق ما عندهم أذناب أبداً ، لكن هذا تعبير مستخدم الآن ، ولا تكن رأساً لأهل الباطل .
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
( سورة الحجرات الآية : 10 ) .
سيدنا بلال عبد حبشي ، قال له سيده لسيدنا الصديق : والله لو دفعت به درهماً لبِعتُكَه ، قال له : << والله لو طلبت به مئة ألف درهم لدفعتها لك >> .
اشتراه ، ووضع يده تحت إبطه ، قال : << هذا أخي حقاً >> ، كان الصحابة الكرام إذا ذكروا الصديق يقولون : << هو سيدنا ، وأعتق سيدَنا >> ، أيْ بلالاً ، هذا الإسلام ، الإسلام ما فيه فروق طبقية أبداً ، الإسلام ما فيه تمايز ، ما فيه عنصرية .
أيها الإخوة ، إذاً النبي أوذي في الطائف ، لأنه قدوة للدعاة من بعده إلى يوم القيامة .
السيدة عائشة السيدة الأولى ، المصون ، العفيفة ، الطاهرة ، اتهمت في أقدس ما تملكه امرأة ، لماذا اتهمت ؟ لتكون أسوة لكل مؤمنة إلى يوم القيامة بريئة وطاهرة واتهمت الله عز وجل جعل من الصحابة نماذج تحتذى .
قصص الأنبياء نماذج وقوانين :
الآن قصص الأنبياء لمن ؟ للأنبياء ؟ ماتوا ، لمَ يقول جل جلاله :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
( سورة الأنبياء ) .
1 – قصة سيدنا يونس :
سيدنا يونس وجد نفسه في بطن حوت ، وإذا كانت الأسعار غالية ، عندك مشكلة ، عندك كساد ، هل تساوي هذه أن تجد نفسك في بطن حوت في الليل في أعماق البحر ؟ هل من مصيبة أكبر من أن تجد نفسك في بطن حوت ؟ الحوت وجبته المعتدلة أربعة أطنان ، أنت لقمة واحدة ، يرضع وليده 300 كغ في اليوم 3 مرات ، طن من حليب كل يوم ، يفتح فمه فيجمع 4 أطنان بين الظهر والعصر ، نبي كريم وجد نفسه في بطن حوت : ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ .
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾
( سورة الأنبياء الآية : 88 ) .
هذه القصة وانتهت ، الآن قلبت إلى قانون :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة الأنبياء ) .
في أي عصر ، في أي مصر ، في أي مكان ، في أي زمان ، بأي خطر ﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، لمن هذه القصة ؟ لنا .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾
( سورة الشعراء ) .
2 – قصة سيدنا موسى :
بالمعطيات الأرضية ، فرعون بجبروته ، بطغيانه ، بأسلحته الفتاكة ، بحقده ، بتألهه ، يتبع نبياً كريماً ، وشرذمة من بني إسرائيل ، هل هناك أمل بالنجاة ، إلى أن وصلوا إلى البحر ، البحر أمامهم ، وفرعون وراءهم ، لا أمل ، الأمل صفر : ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ .
﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
( سورة الشعراء ) .
الله على كل شيء قدير ، ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ .
أيها الإخوة ، إذاً : قصص الأنبياء أيضاً تثبيت للمؤمنين .
3 – قصة سيدنا يوسف :
سيدنا يوسف قال :
﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾
( سورة يوسف الآية : 23 ) .
جعله عزيز مصر ، وكل الأنبياء والمرسلين قصصهم درس لنا .
بالمناسبة : كل قصة من القصص المتكررة عولجت في القرآن الكريم ، وهي قصص متعددة ، وكلّ مكان من زاوية ، وكل مكان لهدف ، نجمع ما قيل في سيدنا موسى في كل السور تجد القصة متكاملة ، نجمع ما قيل في سيدنا نوح من كل الصور قصص متكاملة ، إلا قصة واحدة عولجت في سورة واحدة هي قصة سيدنا يوسف ، لأن مغزاها التوحيد ، فإخوة يوسف أرادوا به كيداً ، وضعوه في غيابات الجب ، واحتمال الموت % 99 ، فالذي حصل أنه صار عزيز مصر ، وخضعوا له ، وخروا له سجداً ، قال :
﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً﴾
( سورة يوسف الآية : 100 ) .
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ﴾
( سورة يوسف الآية : 90 ) .
سورة يوسف فيها آية واحدة هي المغزى ، دققوا في هذه الآية :
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
( سورة يوسف ) .
أنت تريد وأنا أريد ، والله يفعل ما يريد ، عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك وما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد .
﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
( سورة الأعراف ) .
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
1 – مَن هم الملأ ؟
من هم الملأ ؟ الملأ علية القوم ، سادة القوم ، أو الذين يملؤون عينك مهابة شخصية مرموقة ، شكل ، منطق ، هدوء ، وقار ﴿ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ﴾ أي سادة القوم ، أو الذين يملؤون العين وقاراً ومكانة .
2 – تهمةٌ قديمة : إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ ﴾ يا نوح ﴿ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ ضلال اسم جنس ، كل الذي قلته من الضلالات ، هكذا اتهام .
يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
( سورة الأعراف )
قالوا : ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ ﴾ اسم جنس .,
1 – الردُّ : يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ
قال : ﴿ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ ﴾ لو قال لك واحد: أعندك خبز ؟ قلت له : والله ما عندي كسرة خبز ، أنت حينما نفيت الجزء ماذا أردت من ذلك ؟ أن تنفي الكل ، يقول لك : أعندك رغيف ؟ تقول له : ما عندي كسرة خبز .
﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ ﴾ ولا ضلالة واحدة ، أنا يوحى إلي ، هذا كلام رب العالمين .
2 – النبيُّ نبيٌّ يوحى إليه : وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
بالمناسبة : أعداء المسلمين بمكر خبيث يوهموننا أن نبينا محمد عبقري ، مصلح اجتماعي كبير ، رجل فذ ، لا ، نبينا نبي يوحى إليه ، النبي عليه الصلاة والسلام لا يُطرح في مجتمع المسلمين على أنه عبقري ، ولا على أنه مصلح ، هو نبي هذه الأمة ، يتلقى وحياً من السماء ، لذلك الإسلام ليس كما يفهمه أعداء الإسلام ، أنه منتج أرضي للتراث ، لا ، ليس تراثًا ، الإسلام وحي السماء ، الوحي لا علاقة له بالبشر .
الدليل : لما اتهمت السيدة عائشة رضي الله عنها ، لو أن الوحي من عند النبي بعد دقيقة تأتي آية التبرئة ، أربعون يوما بغير إثبات ، ولا نفي ، حتى يعلمنا الله أن هذا الوحي مستقل عن النبي الكريم ، لا يملك له استدعاءاً ولا رداً .
فلذلك : ﴿ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ .
هذا الإله العظيم الذي يربيكم ، الذي يعتني بكم ، الذي يمدكم بالهواء بالماء ، بالطعام ، بالشراب ، بما تشتهون ، بالمعادن ، بأشباه المعادن ، ﴿ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ .
﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
( سورة الأعراف ) .
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
1 – معنى : أُبَلِّغُكُمْ
﴿ أُبَلِّغُكُمْ ﴾ ، بلغ ، سافر من دمشق فبلغ حلب ، وصلها بالتمام والكمال ، البلاغ بيان كامل ، بيان شامل ، بيان واضح ، ﴿ أُبَلِّغُكُمْ ﴾ ، كلنا إذا وقفنا أمام قبر أن النبي ماذا نقول ؟ أشهد أنك بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وكشفت الغمة ، وجاهدت في الله حق الجهاد ، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد .
2 – أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي
﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي ﴾ ، لماذا جاءت جمعاً ؟ لمََ لمْ يقل أبلغكم رسالة ربي ، إشارة إلى أن جميع الرسالات واحدة ، يعني جئت برسالة سبقها رسالات ، لذلك :
﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾
( سورة البقرة الآية : 285 ) .
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
( سورة الأنبياء ) .
فحوى دعوة الأنبياء واحدة ، ملخصة بكلمتين : ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ ، نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل العبادة .
3 – وَأَنصَحُ لَكُمْ
﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ ﴾ ، أنصح لكم في كل شيء ، في حياتكم ، في شؤون حياتكم ، رسالة مطولة .
والله لا أبالغ ، هذا الذي يتوهم أن الإسلام صوم ، وصلاة ، وحج وزكاة ، هذا إنسان واهم ، الإسلام ولا أبالغ 500 ألف بند ، يبدأ من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج كامل ، أما حينما ظنه المسلمون عبادات شعائرية صار حالهم إلى ما آل إليه ، الإسلام ليس في المسجد ، بل في بيتك ، في كسب مالك ، في إنفاق مالك ، في علاقاتك مع النساء ، في نزهاتك ، في أفراحك ، في أتراحك ، في سفرك ، في حلك ، في ترحالك ، الإسلام منهج كامل .
﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ .
4 – وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
إخواننا الكرام ، مرة ثانية أستخدم هذا المثل الطويل :
قال لك طفل: معي مبلغ عظيم ، والده مدرس ، عقب أيام العيد قال لك : معي مبلغ عظيم ، أنت تقول : 200 ليرة ، مسؤول كبير بالبنتاغون يقول لك : أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً ، تقدره 200 مليار دولار ، فإذا قال ملك الملوك :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
( سورة النساء ) .
من 200 ليرة إلى 200 مليار ، ضرب خمسين ، الآن أقلّ من خمسين ، فإذا قال خالق السماوات والأرض : ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ يعني أنّ أعظم فضل على الإنسان أن يعرف الله .
ابن آدم اطلبني تجدني ، فإن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتُك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
رتبة العلم أعلى الرتب :
في دمشق ثانوية ضخمة جداً ، وأضخم ثانوية كانت كأنها جامعة قديماً ، كتب في مكان مرتفع من مدخلها : " رتبة العلم أعلى الرتب " ، وما مِن رتبة عند الله أعلى من العلم ، قال تعالى :
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
( سورة الزمر الآية : 9 ) .
قال تعالى :
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾
( سورة المجادلة الآية : 11 ) .
قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾
( سورة الأنعام الآية : 132 ) .
القرآن اعتمد قيمتين فقط : قيمة العلم ، وقيمة العمل ، وأما القيم الأخرى فلم يعبأ بها القرآن ، الوسامة ، والذكاء ، والغنى ، والقوة ، هذه قيم أغفلها القرآن الكريم .
(( رب أشعث أغبر ذي طمرين ، مدفوع بالأبواب ، لو أقسم على الله لأبره )) .
[ أخرجه الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة ] .
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ¯لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ¯خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ﴾
( سورة الواقعة ) .
الذين كانوا في الأرض في القمم ، قد تجدهم يوم القيامة في الحضيض ، والذين كانوا في الحضيض في المقياس الاجتماعي موظف بسيط ، لكنه مستقيم ، قد تجده يوم القيامة في القمم : ﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ .
تماماً كهذه القلابة ، التي فيها مقاعد متتالية تارةً تكون في الأسفل ، ثم في الأعلى ، ﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ ، هكذا الحياة .
لذلك :
(( ابتغوا الرفعة عند الله )).
[ أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عمر ] .
﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ .
الله عز وجل في بعض الآيات الكريمة يقول :
﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾
( سورة الشورى الآية : 13 ) .
الدين واحد ، أما الشرائع فمختلفة ، بحسب العصور والتطورات والأنصار وشريعتنا .
والحمد لله رب العالمين