سورة غافر (040)
الدرس (4)
تفسير الآيات: (10 ـ 13)
لفضيلة الأستاذ
محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الأكارم ... مع الدرس الرابع من سورة غافر ، ومع الآية العاشرة وهي قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ﴾
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ
1 ـ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
كيف يكون الكافر حين يكشف الحقيقة يوم القيامة ؟
يبدو أن الإنسان يوم القيامة حينما يرى مصيره الأبدي ، وحينما يرى أنه خسر كلشيء ، خسر نفسه التي هي أمانةٌ في عنقه ، لم يزكها ، بل دسَّاها ، وقد قال الله عزَّ وجل :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
(سورة الشمس)
حينما يرى الإنسان الحقيقة التي كان غافلاً عنها ، حينما يصبح بصره حديداً أي نافذاً ، حينما يكشف له الغِطاء ، حينما تضح الحقائق ، حينما يبدو ما كان خافياً عنه ، يصيبه من الألم ما لا سبيل إلى وصفه ، حتى إنه ورد في كتاب الجامع الصغير :
((إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول : يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر إلي مما ألقى ، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب )) .
[ الجامع الصغير عن جابر ، وفي إسناده ضعف ]
فإضافةً إلى عذاب الحريق ، وإلى عذاب النار المادي ، هناك عذابٌ نفسي لا يحتمل ، فهؤلاء الذين كفروا ، معنى كفروا أي كذبوا بالحق لما جاءهم ، كذبوا وأعرضوا ، الإيمان تصديق وإقبال ، الكفر تكذيب وإعراض ، هؤلاء الذين كفروا يصيبهم من الألم ما لا سبيل إلى وصفه ، حتى أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾
(سورة البقرة)
لا يحتمل الندم والخسارة أحدٌ :
أيها الإخوة ... مشاعر الندم صعبة جداً ، الإنسان إذا اكتشف فجأةً أنه خسر خسارةً كبيرة ، الخسارة في الدنيا صعبة ، خسارة المال صعبة ، يكون التاجر يتمتع بصحةٍ تامَّة ، وله بيت ، وله مركبة ، وله متجر ، وله مستودعات ، ومعه أموال طائلة ، يعقد صفقة من الصفقات فيخسر أرباحها ، وقد يخسر جزءاً من رأس ماله ، تراه بأحوالٍ لا توصف ، الخسارة مؤلمة ، خسارة جزءٍ من المال مؤلمة فكيف خسارة المال كله .
أطباء القلوب عندهم حالات كثيرة ، أزمات قلبية حادة أساسها فقد المال ، والإنسان يوم القيامة لم يفقد ماله ، بل فقد نفسه ، رأس ماله الوحيد لدخول الجنة تزكية نفسه ، جاء إلى الدنيا وغفل عن الكون الذي سخَّره الله تسخير تعريف ، استخدم عقله على خلاف ما خلق له ـ كما قلت في الدرس السابق ـ استخدم عقله بخلاف ما خلق له ، لم يعبأ بفطرته ، نادته فطرته : لا تفعل ، يا عبد الله لا تفعل . لم يستجب لنداء الفطرة ، ولم يستمع لصرخة العقل ، ولم ينظر إلى عظمة الكون ، ولم يعبأ بهذا التشريع ، ولم يستخدم حظوظه إلا في خلاف ما خلقت له ، استخدم الشهوات لا ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، بل ليهوي بها إلى أسفل سافلين .
هذا حينما يكتشف الحقيقة ماذا يحصل له ؟ فتصور إنسانا باع بيته الذي في أرقى أحياء دمشق ، وباع البُستان مع كل مستلزمات قضاء الإجازات ، باع معمله ، باع مركبته ، باع المحلات ، وقبض أثمانها عملةً ، وذهب ليضعها في المصرف فإذا هي مزيَّفة ، ففي هذه اللحظة بماذا يشعر ؟ الصعقة لا تحتمل ، الخسارة صعبة جداً ، الناس نيام ، إذا ماتوا انتبهوا .
هذا العمر ثمين ، ربنا عزَّ وجل أقسم بالعصر ، لأن الإنسان زمن ، والإنسان يستهلكه الزمن ، كلما مضت الأيام والأسابيع والشهور والسنوات استهلك الإنسان ، فإذا اكتشف بعد فوات الأوان أنه خسر كل شيء ، خسر نفسه التي بين جنبيه ، هذه النفس كان من الممكن أن يعرفها بالله ، كان من الممكن أن يحمِلها على طاعة الله ، كان من الممكن أن يستخدم ماله ، ووقته ، وصحته ، وعقله ، ولسانه ، وبيانه ، وذكاءه ، وخبرته في الأعمال الصالحة التي هي ثمن الجنة ، كل هذا لم يحصل ، جاء إلى الدنيا ، وكان في غفلةٍ شديدة ، انهمك في الشهوات ، ثم فوجئ أن الله سبحانه وتعالى سيحاسبه عن كل شيء ، الألم الذي يتحمله هذا الإنسان لا سبيل إلى وصفه ، بل إن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾
يا أيها الإخوة ، الإنسان صحا في الوقت المناسب فهذه نعمةٌ لا تقدر بثمن ، فما من نعمةٍ أثمن من أن تعرف الحقيقة قبل فوات الأوان ، ما دمنا أحياء نُرْزَق ، ما دام القلب ينبِض ، ما دام في العمر فُسْحَة ، فنحن مدعوون إلى معرفة خطر مهمتنا .
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا(72) ﴾
(سورة الأحزاب)
ما كان ظلوماً جهولاً حينما حملها ، أما إذا حملها ، ولم يؤدِّها كان ظلوماً جهولاً .
يا أيها الإخوة ... كل شيءٍ يعرفنا بالله ؛ الكون ، القرآن ، العقل ، الفطرة ، الحوادث ، الحالة النفسية ، كل شيءٍ يعرفنا بالله عزَّ وجل ، فإذا غفل الإنسان عن الله ، وكذب بالحق لما جاءه ، وأعرض عن الله عزَّ وجل .
الكفر بين المفهوم الواسع والمفهوم الضيق :
أيها الإخوة ما دام الحديث عن الكفر ، الحقيقة أن الكفر مصطلح واسع جداً ، له مفهوم واسع ، ومفهوم ضيِّق .
توضيحاً لهذه الحقيقة : كلمة سيارة لها مدلول واسع ، ولها مدلول ضيِّق ، إذا قال واحد : أنا اشتريت سيارة ، ماذا نفهم ؟ أنه اشترى مركبة مصنوعة من الحديد لها محرك ، تعمل على الوقود السائل ، لها مقود ، هذا معنى سيارة ، فكيف ربنا قال :
﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ ﴾
(سورة يوسف : من الآية 19)
هذه السيارة بالمعنى الواسع ، أي شيءٍ يسير اسمه سيَّار ، ومؤنثه سيارة ، إذاً : الكلمة لها معنى واسع ، ولها معنى ضيق .
الكفر الاعتقادي :
فكلمة الكفر معناها الضيِّق أن تكفر بوجود الله ، أن تكذِّب بوجوده ، أو أن تكذب بأحد أسمائه ، أو أن تكذب بكماله ، أو أن تكذب بوحدانيَّته ، لا أعتقد على وجه الأرض إلا قلةٌ قليلة تنفي وجود الله عزَّ وجل ، ومع ذلك في ضمائرهم ، وفي عقلهم الباطن ، وفي فطرتهم شعورٌ أن الله موجود ، ولكن هذا الذي يؤمن بوجود الله ، ولا يؤمن بوحدانيته ؛ يرى آلهةً كثيرةً ، كل شخص مهم يراه إلهاً ، كل شخص قوي يراه إلهاً ، يعبده من دون الله ، فهذا أحد أنواع الكفر الذي أساسه الشِرك .
كفر ، فما رأى أن الله سبحانه وتعالى إضافةً إلى أنه موجود هو واحد ، إلهٌ في السماء ، وإلهٌ في الأرض ، ما رأى هذه الحقيقة ، رأى آلهةً من دون الله ، خاف منها ، أطاعها في معصية الله ، عبدها من دون الله ، رجا رضاها ، سعى إليها ، ثم يكتشف فجأةً بعد فوات الأوان أنها لم تكن شيئاً ، لم تكن شيئاً على الإطلاق ، لا إله إلا الله ، لا رافع ولا خافض ، ولا معزَّ ولا مذل ، ولا معطي ولا مانع ، ولا قابض ولا باسط إلا الله ، لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
فهذا الكفر ، الكفر بوجود الله ، أو الإيمان بالله والكفر بوحدانيته ، أو الإيمان بالله والكفر بكماله ، أو الكفر ببعض أسمائه ، هذا كله كفر ، لكن الكفر يأخذ دائرة واسعة جدا ودائرة أضيق ، أحد أنواع الكفر أن يُعْرِضَ الإنسان عن ربه ، أن يغفل عنه ، قال تعالى :
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
(سورة التوبة : من الآية 80)
﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا(142) ﴾
(سورة النساء)
هذه الآية تشير إلى معنى واسع جدا من معاني الكفر ، الإعراض عن الله عزَّ وجل ، أي أراد الدنيا ولم يرد الآخرة ، أراد الشهوة ولم يرد نداء العقل ، أراد المُتْعَة ولم يرد السعادة التي تتأتَّى من الاتصال بالله عزَّ وجل ، فالكفر يفهم بشكلٍ ضيق من أنكر وجود الله ، من أنكر وحدانيته ، من أنكر كماله ، من أنكر بعض أسمائه ، من أنكر بعض أوامره ، والإنسان إذا رأى أن الصلاة مضيعةٌ للوقت فهو كافر ، إذا رأى أن للذكر مثل حظ الأنثيين شيء لا يتوافق مع روح العصر ، أين العدالة ؟ هذا كفر .
عندنا كفر اعتقادي ، عندنا كفر سلوكي ، لو أنه أمسك بالمصحف ، وألقاه على الطاولة بشكلٍ مهين فقد كفر ، هناك كفر اعتقادي ، وكفر سلوكي ، فموضوع الكفر يحتاج إلى تفصيل ، وقد عولج في مدارج السالكين في بعض دروس جامع العثمان ، الكفر له تعاريف ، له حدود ، له أنواع ، له دوائر ، له مستويات ، على كلٍ أضيق تعاريفه أن يكفر الإنسان بوجود الله ، أو أن يكفر بوحدانيته أو بكماله ، أو أن يكفر ببعض أسمائه ، أو أن يكفر بأوامره .
تارك الصلاة يسمى تارةً عاصياً ، وتارةً يسمى كافراً ، إذا ترك الصلاة إنكاراً لفرضيتها فهو كافر ، وإذا ترك الصلاة تساهلاً وتقصيراً ونسياناً فهو عاصٍ ، وشتان بين المرتبتين ، فكلمة كفر لا ينبغيأن نستخدمها بلا تحفُّظ ، كلمة كبيرة جداً ، ومن أدق ما يفعله بعض الناس هم أنهم ، أو من أبشع ما يفعله بعض الناس حينما يستخدمون هذه الكلمة من دون تحديد ، فالتكفير سلوكٌ غوغائي ، السرعة في تكفير الناس سلوكٌ لا يتَّسم بالمنطق ولا بالتؤدة ، ولا بالتعقُّل ، ولا بالموضوعية ، فالكفر كلمة واسعة جدا ، كما أن كلمة سيارة يمكن أن تطلق على كل شيءٍ يتحرك .
﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ ﴾
(سورة يوسف : من الآية 19)
هذا المفهوم الواسع للسيارة ، مفهومها الضيِّق هذه المركبة الآلية التي تعمل بمحركٍ انفجاريٍ أساسه الوقود السائل ، فالكفر يتسع هذا المفهوم ليشمل المعرض عن الله .
فلو فرضنا مدرِّسا ملء السمع والبصر ، طويل القامة عظيم الهامة ، واضح النبرة ، طليق اللسان ، جذَّاب الشخصية ، يقف ويشرح الدرس ، وطالب يتلهَّى عن درسه ، وعن شرحه ، وعن بيانه بألعابٍ سخيفةٍ يجريها على ورقٍ أمامه ، نقول : هذا الطالب المُتَلَهِّي عن قيمة هذا المدرس كافرٌ بقيمة درسه ، لأنه لا يعبأ بهذا الدرس ، وينصرف عنه إلى أعمالٍ أخرى ، فهذا معنى واسعٌ جداً من معنى الكفر .
الإعراض عن الله عزَّ وجل والالتفات إلى الدنيا ، عدم الاهتمام بأمر الله ونهيه وعده ووعيده ، عدم المبالاة بالحرام والحلال ، عدم المبالاة بكسب المال ، عدم المبالاة بإنفاق المال ، عدم المبالاة بإقامة الحدود ، عدم المبالاة بالائتمار بما أمر ، وترك ما نهى الله عزَّ وجل ، هذا معنى موسَّع من معاني الكفر .
المعنى الضيق الذي أنكر وجود الله ، أو أنكر وحدانيته ، أو أنكر كماله ، أو أنكر أحد أسمائه ، أو أنكر فرضية أحد أوامره .
عندما يقول لك الإنسان : لماذا نوزِّع الإرث بين الذكر والأنثى بنسبة واحد إلى اثنين ، هذا شيء غير منطقي وغير عادل ؟ هل تدري أن هذا الكلام يعني الكفر ، لأن الله عزَّ وجل حينما يقول :
﴿ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ﴾
(سورة النساء : من الآية 176)
هذا تشريع من قِبَل خالق الكون ، وأنت تقول : هذا تشريع غير منطقي ، وغير واقعي ، ولا يتناسب مع العدالة الاجتماعية ، مع أن المرأة تشكِّل نصف المجتمع ، هذا كفر .
الكفر العملي :
عندنا شيء آخر ، هذا الكفر اعتقادي ، وعندنا كفر قولي فالإنسان أحياناً من دون أن ينبس ببنت شفة ، من دون أن ينطق بكلمةٍ واحدة ، لو أنه يصلي ، ويصوم ، ويفعل كل الطاعات ، لكن إذا اعتقد أن ما يجري في هذا الكون لا عدالة فيه ، ولا رحمة فيه ، وأن القوي يأكل الضعيف ، وأن الضعيف لا مكان له في هذا العالم ، إذا أصابته هذه الأفكار السوداوية بسماعه أخبار ما يجري في العالم ، المسلم مضطهد ، المسلم لن تقوم له قائمة بعد اليوم ، العالم كله يفعل ما يفعل ضد المسلمين ، أين الله ؟ أين رحمته ؟ أين عدالته ؟ أين وعده ؟ أين كذا ؟ مشى في هذا الطريق ، واعتقد هذا الاعتقاد فو الله الذي لا إله إلا هو هذا الاعتقاد نوعٌ من الكفر ، كفرت بأنه إله ، عددت أقوياء العالم هم الآلهة كفرت بأن الله سبحانه وتعالى عادل ، فعددت أن الحق ليس لصاحب الحق ، ولكن للقوي ، وأن الضعيف مقهور ومأكول .
لذلك هناك خطر شديد أن الإنسان يتلقى معلومات دون أن يعرضها على القرآن الكريم ، دون أن يعرضها على الذكر الحكيم ، دون أن يعرضها على كلام رب العالمين ، فهناك خطر كبير أن يتصور الإنسان أن ليس في الكون عدالة ، الله عزَّ وجلقال :
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا ﴾
(سورة الأنعام : من الآية 59)
(( ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يغفر الله أكثر )) .
[الجامع الصغير عن البراء ]
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30) ﴾
(سورة الشورى )
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8) ﴾
(سورة الزلزلة )
﴿ فَوَ رَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾
(سورة الحجر)
﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ(42) ﴾
(سورة إبراهيم)
﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197) ﴾
(سورة آل عمران)
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44) ﴾
( سورة الأنعام)
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
(سورة الفتح : من الآية 10)
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
(سورة الزخرف : من الآية 84)
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا(26) ﴾
(سورة الكهف )
هذا الإيمان ، هذا القرآن .
((لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ )) .
[مسند أحمد عن أبي الدرداء ]
لا تقل : لو أني فعلت كذا ، وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإنك كلمة لو تفتح عمل الشيطان .
معنى الكفر معنى خطير ، يضيق حتى ينصب على من ينكر وجود الله ، أو ينكر وحدانيته ، أو ينكر أسماءه ، أو ينكر كماله ، أو ينكر بعض أوامره ، هذا كفر اعتقادي .
وهناك كفر قولي ، فما قولكم عن الذي يقول : الله عزَّ وجل يعطي الحلاوة للذي ليس له أضراس ، هذه كلمة يقولها معظم الناس ، هل تصدقون أن هذه الكلمة كفر ؟ إنك تتهم عدالة الله ، تتهم حكمة الله ، تتهم عِلم الله ، قل: قدر الله وما شاء فعل ، فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان ، فعندنا كفر اعتقادي ، في كفر قولي .
الكفر السلوكي :
وهناك نوعٌ من أنواع الكفر هو من أخطرها ومن أخفاها ، هو الكفر السلوكي ، وأوضح مثل عليه : لو أنك زرت طبيباً ، وعالجك ، وشخص المرض ، وكتب الدواء ، ووقفت معه موقفاً في غاية الأدب والاحترام والشكر والعرفان ، ولكن في قرارة نفسك لم تعبأ بعلمه ، ولا بمهارته ، فامتنعت عن شراء الدواء ، هل تصدق أن عدم شراء الدواء نوعٌ من أنواع الكفر بهذا الطبيب ، ما قلت شيئاً ، ولم تنطق بكلمة ، ولم تنبس ببنت شفة ، بل امتنعت عن شراء الدواء .
فإلهنا وربنا ، وخالقنا يقول:
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾
(سورة البقرة : من الآية 221)
عبد مؤمن ، ولا يوجد الآن عبد ، أي لو جاءك إنسان فقير ، إنسان أخلاقه عالية ، إيمانه عالٍ ، وخطب ابنتك ، لم تعبأ لا بأخلاقه ، ولا بإيمانه ، ولا باستقامته ؛ بل أردت المال ، فلما جاءك خاطبٌ آخر رأيت عنده المال الكثير والجاه العريض ، ولم تعبأ برقة دينه ، ولا بتركه للصلاة ، فزوجته ، هل تدري أنك لم تقل : صدق الله العظيم ، الله عزَّ وجل ينبئك أن المؤمن ولو كان عبداً خيرٌ من الكافر ولو كان غنياً ، لم تعبأ بهذا ، فكيف تقول : صدق الله العظيم ؟ فحينما يقول الله عزَّ وجل :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾
(سورة النور : من الآية 30)
فإذا قلت : أين أذهب بعيني ؟ ألم تقرأ قوله تعالى:
﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ﴾
(سورة البقرة : من الآية 286)
كأن الله سبحانه وتعالى كلَّفك ما لا تطيق ، وكأنك تكذب هذه الآية:
﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ﴾
إذا توسعنا بمفهوم الكفر وجدنا شيئًا مخيفا ، فإذا اعتقد الإنسان ، أو تكلم ، أو سلك سلوكا ينطوي على تكذيبٍ بما في القرآن الكريم ، فلو اعتقد وقال : والله داروين معه حق ، فانظر كيف أن المخلوقات تطورت ، هل تصدقون أن الذي يؤمن بما قاله داروين هو كافر ، لأن الله يقول حينما بدأ الخلق بدأه بآدم وحواء ، فإذا اعتقدت أن الخلق بدأ بالقرد ، فهذا نوعٌ من أنواع الكفر بكلام الله عزَّ وجل .
تقرأ نظرية داروين ، تقرأ نظرية فرويد تجده يقول لك : الجنس هو كل شيء ، ونظريَّات الماديين : المادة كل شيء ، وما سواها سراب ، فإذا قرأ الإنسان كتبا في المذاهب ، وفي المعتقدات ، كتبا في علم النفس ، فلو أن طبيبا في علم النفس ، بعض الأطباء النفسيين يرون الصحة النفسية أن يكون لهذا الشاب صديقة ـ رفيقة ـ فينصحه أن ينطلق ، أن يكون له صديقة ، أن يذهب إلى السينما ، أن يفعل ، وأن يترك ، فهذا الطبيب ماذا يفعل ؟ طبيب مختص بالنواحي النفسية ، ينصح مرضاه المصابين باضطرابات نفسية أن ينطلقوا في الحياة كما يفعل أهل الغرب ، فأين الدين ؟ أين القرآن ؟ أين الحديث الشريف ؟ فهذا الطبيبٌ النفساني الذي ينصح مرضاه بالانطلاق في الحياة ، وبارتياد دور اللهو ، وباصطحاب الفتيات لكي يتوازن ، لكي يمتلك الصحة النفسية ، هذا الطبيب يكفر بكلام الله عزَّ وجل ، فأين غض البصر ؟ أين عدمالاختلاط ؟ أين أداء الصلوات ؟
والله البارحة سمع عن طبيبٍ مؤمن يعالج مريضاً نفسياً قال له : أنت بحاجة إلى مجلس علم ، وإلى حفظ القرآن ، وإلى أن تصحب إخوة مؤمنين ، وإلى أن تعمل الصَّالحات ، وإلى أن تخرج من عزَّلتك ، والله بقيت ساعات وأنا أثني على هذه الطبيبالمؤمن ، هذه هي الصحة النفسية ؛ أن تعرف الله عزَّ وجل ، أن تعرف منهجه ، أن تندفع إلى طاعته ، أن ترتاد بيوت الله عزَّ وجل ، أن تطلب العلم ، أن تقرأ القرآن ، أن تحفظ القرآن.
كلمة كفر واسعة جداً ، يكفي ألاَ تعتقد بصواب آيةً ، أو بصواب تشريعٍ إلهي ، أو بصواب توجيهٍ إلهي ، أو بصواب حقيقةٍ في القرآن قد وردت ، فهذا نوعٌ من أنواع الكفر .
لذلك ليس معنى أن فلانا كافر أي علمه قليل ، فكلمة كفر كلمة كبيرة جداً ، حينما تعتقد أن هذه الآية غير مناسبة لهذا الزمان فهذا كفر ، كفرٌ من النوع الواسع .
مثلاً : حينما قال الله عزَّ وجل :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ(106) ﴾
(سورة يوسف)
أي شركٍ هذا ؟ هذا الشرك الخفي الذي لم ينجو منه إلا القليل ، كما أن هناك شركاً خفياً يمكن أن يتلبَّس ببعض المؤمنين ، كذلك هناك كفرٌ خفي ، كأن يكونهذا الأمر لست قابضه بالتعبير الدارج ، لم تقتنع كثيراً به ، ليس معقولا ، هذا نوعٌ من أنواع الكفر ، ولكن ليس الكفر الأكبر الذي يصح أن نقول لصاحبه : كافر .
مرة سئل رجل يحبِّذ التعليم المختلط ، وهو محسوبٌ على أنه داعية ، قال : هذا التعليم يهذِّب المشاعر ، ويزيل هذه الحواجز ، وهذا الشيء الكبير يصبح صغيرا ، هو لا يدري ما يقول ، هذا كله مخالفٌ لكلام الله عزَّ وجل ، هذا أحد أنواع الكفر ، وعندما تفكر تفكيرا خلاف كلام الله عزَّ وجل قطعي الثبوت ، هذا اتجاه فيه كفر ، ولكن لا يسمى صاحبه كافرًا ، لكن هذا الكلام فيه كفر ، فكما أن هناك شركا أكبر ، وهو أن تعبد بوذا من دون الله ، هناك شرك أصغر ، وهو أن تعتمد على زيد من دون الله عزَّ وجل ، هذا شرك ، كذلك إنكار وجود الله عزَّ وجل كفر ، إنكار وحدانيته كفر ، إنكار كماله كفر ، إنكار أحد أسمائه كفر ، إنكار أحقية أوامره كفر ، ولكن إذا لم تفهم شيئًا ، لم تقنع به ، هذا تفكير فيه كفر ، ولكن لا يسمى صاحبه كافراً .