سورة الأنعام 006 - الدرس (58): تفسير الآيات (135 - 135)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأنعام 006 - الدرس (58): تفسير الآيات (135 - 135)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأنعام

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأنعام - تفسير الآية: (135 - 135)

21/03/2011 08:12:00

سورة الأنعام (006)
تفسير الآية : (135)
للإنسان مكان ومكانة
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات   القربات .
أيها الإخوة الأكارم ، مع الدرس الثامن والخمسين من دروس سورة الأنعام    ، ومع الآية الخامسة والثلاثين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
 
﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾
معنى : اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ :
أيها الإخوة ، الله عزوجل يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول لقومه : قُل يا قومي ، والقوم كما تعلمون هم الجماعة ، وعادة تطلق هذه الكلمة على جماعة الرجال ، لأنهم مكلفون بالمهمات الجسيمة دون أن تنجرف مع من يقول : إن المجتمع الإسلامي مجتمع ذكوري .
النبي عليه الصلاة والسلام حينما يفتح مكة ، وحينما تدعوه بيوتاتها العريقة إلى أن ينام عندهم ضيفاً ، يقول : انصبوا لي بيتاً عند قبر خديجة ، ونصب لواء النصر أمام قبرها ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر .
الرجل والمرأة متكاملان في المجتمع :
لكن بعض المسلمين الذين هم ضعاف الإيمان ، ومعلوماتهم محدودة ينجرفون مع الطرف الآخر ليتهموا الإسلام بأنه مجتمع ذكوري ، وإذا ذُكر الإسلام لا يقفز إلى أذهان هؤلاء إلا أم المرأة ناقصة عقل ودين ، وإلا أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل .
وقد سُئلت مرة هذا السؤال من امرأة تحتل منصباً رفيعاً على الهاتف ، قلت لها : مليار و300 مليون مسلم يدخلون في ثاني أكبر عبادة في الإسلام بشهادة امرأة واحدة ، ما قولكم ؟ فإذا رأت امرأة الهلال ، وكان الاتفاق بين المسلمين أن يصوموا جميعاً برؤية واحد منهم كفت امرأة واحدة بشهادتها أن تدخل جميع المسلمين في ثاني أكبر عبادة في الإسلام .
وقد تلد امرأة من رجل ولداً ويموت ، إذا بكى قبل أن يموت هناك مسألة ، وإذا مات ، ولم يبكِ مسألة ثانية ، وقد يكون الفرق بمئات الملايين ، لو أن الرجل غني كبير ، من الذي يحسم هذا الأمر ؟ القابلة ، بشهادة امرأة واحدة تتجه مئات الملايين من جهة إلى جهة إذا ، قالت ، إنه بكى قبل أن يموت ، أو لم يبكِ ، حالات رائعة جداً ، لكن ضعاف المؤمنين وضعاف الثقافة الإسلامية الفقهية ينجرفون مع من يتهم الإسلام أنه مجتمع ذكوري .
ألم يستشر النبي عليه الصلاة والسلام أم سلمة في صلح الحديبية ؟ ألم يستجب لمشورتها ؟ وتنجح مشورتها ، ألم يقل الله عز وجل :
 
﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ﴾
( سورة الطلاق الآية : 6 ) .
يعني تأمرها وتأمرك ، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام :
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاداً فأبت الزواج من  أجلهم )) .
( ورد في الأثر )
امرأة تنازع رسول الله دخول الجنة ؟! لذلك إن أردت أن تعرف عظمة هذا الدين اجهد في معرفته ، اجلس في مجالس العلم ، اقرأ الكتب الصحيحة .
لذلك القوم هم الجماعة ، وعادت تطلق هذه الكلمة على الرجال ، لأنهم مكلفون بالمهمات العويصة الصعبة ، لأنه :
 
                                  ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾
( سورة آل عمران الآية: 36 ) .
الرجل والمرأة شتى في الخصائص الفكرية ، والنفسية ، والاجتماعية ، والجسمية :
بمعنى أن خصائص الرجل الفكرية ، والنفسية ، والاجتماعية ، والجسمية ، كمال مطلق للمهمة التي أنيطت به ، وأن خصائص المرأة الفكرية ، والنفسية ، والاجتماعية ، كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها ، المرأة والرجل متكاملان ، وليسا متشابهين .
عن عروة بن الزبير قال :قالت عائشة :((تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ، ويخفى علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي تقول :يا رسول الله ، أكل شبابي ، ونثرت له بطني ، حتى إذا كبرت سني ، وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك ، فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات :]قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله [)) .
( ابن ماجه بسند صحيح )
هناك أدوار متكاملة بين المرأة والرجل ، لذلك : ﴿ قُلْ يَا  قَوْمِ ﴾ ، هم الجماعة ، وتطلق على جماعة الرجال ، لأن القيامة بالمهمات الصعبة من اختصاص الرجال .
 
 ﴿ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾
قال الله تعالى :
 
﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾
( سورة آل عمران الآية : 35 ) .
فأنجبت سيدنا عيسى ، المرأة أحياناً قد تنجب داعية كبيراً ، وقد تنجب عالماً كبيراً ، وقد تنجب مصلحاً اجتماعياً ، كل أعمال ابنها في صحيفتها ، وحينما تقرأ القرآن تجد كلمة قوم ، وتفهم منها أن المقصود بها الرجال ، الدليل :
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ﴾
( سورة الحجرات الآية : 11 ) .
معنى كلمة القوم ودلالتها ولوازمها :
فالقوم جماعة الذكور ، والنساء جماعة الإناث ، قال بعضهم : سمي القوم قوماً لأنهم مكلفون بمهمات صعبة ، عليهم الجهاد ، عليهم الكسب ، عليهم العمل   القوامة ، الإشراف ، أما المرأة دينها أربعة فصول ، إذا صلت خمسها ، وصامت شهرها   وحفظت نفسها ، وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها ، الرجل أمامه مهمات صعبة ، كسب الرزق من أصعب الأشياء ولا سيما في هذه الأيام ، فالرجل له مهمات ، وعليه الجهاد ، وعلى المرأة ما يرتقي إلى مستوى الجهاد قال عليه الصلاة والسلام :
((انصرفي أيتها المرأة ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل الجهاد في سبيل الله )) .       
[عن أسماء بنت يزيد الأنصارية ] .
إذاً القِوامة :
 
 
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾
( سورة النساء الآية : 34 ) .
معنى قوامون ؛ يعني بينه وبين زوجته درجة واحدة ، بالتعبير العسكري عميد ولواء فقط ، ليس لواء ومجند ، درجة واحدة ، والدليل :
 
﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾
( سورة البقرة الآية : 228 ) .
 
﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 228 ) .
هذه حقائق الدين تؤخذ من كتاب الله ، أما من ممارسات شاذة يمارسها أناس جهلاء لا يعرفون حقيقة دينهم هذا شيء آخر ، ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ .
للإنسان مكان :
أنت كائن تشغل حيزاً ، أنت الآن جالس على الأرض ، أعتقد أن ثمة مساحة تقدر    بـ 40 سم بـ 40 أنت جالس عليها ، هذا مكانك في الجامع ، ولك مكان في البيت ، ولك مكان في السرير ، ولك مكان في العمل ، ولك مكان في المدرسة ، فالمكان هو الحيز الذي يشغله الإنسان ، لكن بالمناسبة الجماد شيء ، يشغل حيزاً أيضاً ، الآن هذا الكأس أضعه هنا يشغل حيزاً ، الجماد شيء يشغل حيزاً في الفراغ ، وله أبعاد ثلاثة ، وله وزن ، الحيوان شيء يشغل حيزاً .
(( طوبى لمن له فيها مربض شاة )) .
من أحاديث قيام الساعة ، الذي له في دمشق مربض شاة طوبى له ، لأن الشام كما قال سيد الأنام :
(( هي خير بلاد المسلمين للمسلمين يومئذٍ )) .
( ورد في الأثر )
إياك أن تفهم أنها خير البلاد بأسعارها الرخيصة ، وأسعار بيوتها الرخيصة ، لا وبفرص العمل بها ، لا ، هذه مقاييس أخرى ، بمقياس أن هذه البلدة فيها إيمان في أعلى مستوى .
(( رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع حتى ظننت أنه قد هوي به ، فعمد به إلى الشام ، وإني أولت أن الفتن إذا وقعت أن الإيمان بالشام )) .
[ رواه الطبراني عن أبي أمامة ] .
فعليكم بالشام في آخر الزمان ، وهناك أحاديث كثيرة جداً من هذه الأحاديث :
(( الداخل إليها برضائي ، والخارج منها بسخطي )) .
( ورد في الأثر )
إذاً : ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ .
أنت لك مكان ، الجماد له مكان  والحيوان ، والنبات له مكان ، النبات شيء يشغل حيزاً في الفراغ ، وله أبعاد ثلاثة ، وله وزن وينمو ، الحيوان شيء يشغل حيزاً في الفراغ ، وله أبعاد ثلاثة ، وله وزن ، وينمو ويتحرك ، والإنسان شيء يشغل حيزاً في الفراغ ، وله أبعاد ثلاثة ، وله وزن ، وينمو ويتحرك ويفكر ، ما لم تفكر فلست من بني البشر ، تنتمي إليهم بالشكل ، لكن ما لم تفكر ، ما لم تبحث عن الحقيقة ، ما لم تتعرف إلى ربك ، ما لم تسعَ لمرضاته ، فلست من هذا الصنف الذي أكرمه الله أيما إكرام .
 
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء ) .
إذاً أنت لك مكان ، لك مكان في المسجد ، لك مكان في البيت ، لك مكان في العمل ، لك مكان في المركبة العامة ، لك مكان .
﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ .
كل إنسان مسؤول أمام الله بحسب مكانه :
كل إنسان له مكان وله إمكانات ، هذا المكان يعطيك إمكانية معينة ، فالمعلم له مكان في الصف ، وإمكانيته خمسين طالبًا ، أما المدير فله مكان في الإدارة ، وإمكانيته أن يدير ثلاثين شعبة ، المدرسة بأكملها ، مدير التربية له مكان في مديرية التربية ، مكتب المدير ، لكن يدير محافظة بأكملها ، وزير التربية له مكان في الوزارة ، لكنه يدير التعليم في كل البلاد ، هل هذه الفكرة واضحة ؟
﴿ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ
لك مكان ، ومع هذا المكان إمكانات ، والله عزوجل ـ دققوا في هذا الكلام ـ كلما ارتفعت مكانتك ، في مجتمعك ازدادت مسؤوليتك عند الله ، فإذا كنت معلماً ، وفي الكتاب نظرية داروين التي تصدم العقيدة الإسلامية في أصلها فأنت لست مؤاخذا ، لكن الذي بيده المناهج هو الذي يحاسب ، فكلما ارتفعت مكانتك عند الناس ازدادت مسؤوليتك عند الله .
إذاً قد يترنم أحيانًا الإنسان بكلمة : أنا مسؤول كبير ، ولو دقق في معناها لارتعدت فرائصه من الخوف ، مسؤول كبير ، سوف تُسأل عن كل شيء من دون استثناء .
 
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ¯عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة الحجر ) .
سيدنا عمر قال : << والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها >> ، لو تعثرت  هو في المدينة ، وفي العراق حفرة في الطريق لم تردم فتعثرت بها بغلة لحاسبني الله عنها ، لمَ لمْ تصلح الطريق لها يا عمر ، لأن معك إمكانيات .
سيدنا عمر بن عبد العزيز دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك ، رأته يبكي ، قالت له : << مالك تبكي ؟ قال : دعيني وشأني يا فاطمة ، فلما ألحت عليه قال : ويحك يا فاطمة ، إني وليت أمر هذه الأمة ، فرأيت الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وللعيال الكثير والرزق القليل ، وابن السبيل ، والمسجون والمحبوس ، والمظلوم ، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً ، وأن خصمي دونهم رسول الله ، فخفت ألا تثبت حجتي فلهذا أبكي >> .
لذلك بطولتك أنا أعني ما أقول ، افعل ما تشاء ، لكن بطولتك تقتضي أن تهيأ جواباً للواحد القهار يوم القيامة ، عن كل عمل تعمله ، عن كل عطاء ، عن كل منع ، عن كل صلة ، عن كل قطيعة ، عن كل غضب ، عن كل رضى .
مرة استنصحني موظف بالتموين كبير قال لي : ماذا افعل ؟ أنا فاجأته بنصيحة غير متوقعة مني إطلاقاً ، قلت له : بالغ في كتابة الضبوط ، وزج الناس في السجون ، قال : هكذا تقول أنت ؟! قلت : نعم ، لكنك إذا كنت بطلاً هيئ لله عزوجل يوم القيامة جواباً عن كل ضبط تكتبه ، البطولة أن تهيئ الجواب .
يقول لي أحياناً أحد الإخوة : لي الحق أن أهب أحد أولادي ؟ أقول له : لك الحق  ، هذا من حق الأب ، لكن أحياناً يهب الأب ابناً من زوجة جديدة يتملق لها ، لفارق السن الكبير الذي بينه وبينها ، يتملق بأن يكتب لأحد أولاها من زوج آخر بيت ، وقد يحرم زوجته القديمة التي عاشت معه السراء والضراء ، هنا تحاسب ، أما الذي عنده بنت فاتها قطار الزواج ، وأخذ لها بيت بحياته ، والبيت تتميز به عن كل أخواتها ، كل أخواتها متزوجات  ولهن أزواج أغنياء ، هذه فاتها قطار الزواج ، لئلا تكون خادمة عند أخيها ، لئلا تُظلم عند أخيها الأب هيأ لها بيتاً تسكنه عزيزة كريمة ، معه جواب لله عزوجل .
لذلك : ﴿ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ .
أنت لك مكان ومع هذا المكان إمكانيات  فأحياناً الإنسان ـ دققوا ـ بجرة قلم يحق حقاً ، ويبطل باطلاً ، يقر معروفاً ، ويزيل منكراً ، يقرب مخلصاً نافعاً ، ناصحاً مخلصاً ويبعد فاجراً منافقاًً ، بتوقيع .
 ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ .
((البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، اعمل كما شئت ، كما تدين تدان )) .
[ الجامع الصغير عن أبى قلابة بسند ضعيف ]
أيها الإخوة ، شيء آخر ، ﴿ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ﴾ ، الآن نحن سبحان الله لجهل في معظم المسلمين يستوردون مشكلات من الماضي ، والجواب الحاسم :
 
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة البقرة ) .
تسخير الإمكانات للخلق بإخلاص من غير غش وخداع :
أنت اعمل على مكانتك الله أقامك طبيب ، إياك أن تضع المال قبلة لك ، إياك أن توهم المرضى بأن مرضهم كبير ، ويحتاج إلى تحليلات كثيرة ، أنت محامٍ إياك أن توهم موكلك أن القضية تحتاج إلى سنوات وسنوات ، وقد تخسر هذا البيت ، لكنني إذا أكرمتني أعطيتني ما أريد آخذه لك من خصمك ، والأمر ليس كذلك ، إن كنت مدرساً إياك أن تجري امتحان صعب جداً ، وتعطي الطلاب أصفارا كي يلجئوا إليك بدرس خاص ، كل إنسان عنده إمكانات ، إمكانيات علمية ، مالية ، إدارية أحياناً ، ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ .
إخوانا البطولة أن تضحك آخراً ، الناس أحياناً يرقصون في الدنيا ، تأتيهم الدنيا والدنيا خضرة نضرة ، لكن سمها في دسمها ، البطولة لا أن تغتر في مظاهر الدنيا البطولة أن تضحك آخراً ، لا أن تضحك أولاً ، والدليل :
أن الطفل حينما يولد كل من حوله يضحك ، وهو يبكي وحده ، فإذا وافته المنية كل من حوله يبكي ، فإذا كان بطلاً يضحك وحده .
 
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة الأعراف ) .
البطولة من يضحك آخراً ، قال تعالى :
 
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾
( سورة المطففين ) .
أما في الدنيا :
 
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ¯فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ¯إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾
( سورة المؤمنون ) .
أيها الإخوة : ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ .
ظهور الفائز والخاسر يوم القيامة :
هذه سوف تعلمون فيها تهديد ، غداً نرى من الرابح ، غداً نرى من الفالح ، غداً نرى من الناجح غداً نرى من الذكي ، غداً نرى من العاقل .
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ودار ترح لا دار فرح فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشدة ، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة ، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ويبتلي ليجزي )) .
[ رواه الديلمي عن ابن عمر ] .
الآن :
﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ .
الطفل أحياناً بالفطرة يعلم أن المكان الواحد لا يتسع لشخصين ، فإن أراد أن يجلس مكان أخيه أول عمل يقوم به ينزله من على الكرسي ، كل واحد له مكانة ، بعد هذا قال الله عزوجل :
 
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
( سورة الأنعام الآية : 132 ) .
للإنسان مكانة في الدنيا :
عند الدولة ثلاثون درجة ، عشر مراتب ، وكل مرتبة ثلاث درجات ، المليون موظف يجب أن تكون في أحد هذه المراتب ، كل واحد له مرتبة ، لكن الله عزوجل إذا كان في الأرض ستة مليون آلاف إنسان فعنده ستة آلاف مليون مرتبة .
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾ .
عملك يقيم بأدق التفاصيل ، الله عزوجل يقدر عملك ، يقدر حجم عملك ، يقدر مقدار التضحية من أجل أنك فعلت هذا ، يقدر مقدار التعب والجهد ، يقدر مقدار إغراء الصوارف ، يقدر مقدار العقبات الكأداء التي أمامك .
 
﴿ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾
 
( سورة المزمل الآية : 20 ) .
لذلك كل إنسان له عند الله مرتبة .
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾ .
الشيء الواحد له موقع واحد ، امسك بقارورة ، واغمسها بالماء كي تمتلئ ، هل يدخل الماء ؟ لا ، لا يدخل حتى يخرج الهواء ، ففقاعات الهواء تخرج أولاً ، ثم يدخل الماء ثانياً ، لذلك :
 
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ ﴾
( سورة النساء الآية : 78 ) .
في أي مكان كنت ، وفي أي مكانة كنت ، لو كنت رئيس وزارة ، وهدمت سبعين ألف بيت ، بثانية تغدو في قبضة الله ، ثانية واحدة ، وللآن ما مات بعد ، وأناس يقولون : الله يطيل عمره ، لا أعلم والله ، في أية مكانة كنت ، وفي مكان كنت الإنسان في قبضة الله  ، بثانية يلغى كل شيء .
بالمناسبة ، نحن كلنا سوف نموت ، لكن حياتك ، ومكانتك ، وطلاقة لسانك  وهيمنتك ، وحجمك المالي ، ومعارفك ، وشبكة علاقتك ، وقوة شخصيتك منوطة بقطر شريانك الأبهر ميلي وربع ، كل قيمتك منوطة بسيولة دمك ، فإذا تجمد الدم في بعض شرايين المخ فقطت الذاكرة كلها ، كل مكانتك منوطة بنمو خلاياك ، فإذا تفلت النمو بأي مكان انتهى الإنسان ، لا تقل أنا ، قل الله .
﴿ قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾ .
من هو الفائز ، من هو الناجح ، يقول الله عزوجل لنا في القرآن الكريم :
 
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة المؤمنون) .
لو أردت أن تستخدم كلمة : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾ ، الآن هناك أراضٍ تضاعف ثمنها خمسة أضعاف ، أخذ أرضا بمليونين صار ثمنها عشرة ملايين ، هل تقول لصاحبها : هنيئاً لك ؟ طبعاً جاءت أرباح فجأة من دون تعب ، يا ترى قد أفلح الرابحون ، قد أفلح المتزوجون ، قد أفلح أصحاب المناصب العليا ، الله قال :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ فقط .
وقال :
 
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
( سورة آل عمران ) .
الذي حصله الإنسان في عمر مديد يمكن أن يخسره في ثانية واحدة ، يكون شخصاً مهماً فإذا به خبر ، أربعة  أيام بعد هذا يعتم عليه ، لم يعد هناك ولا خبر ، أين الصولة ، والدولة ، والقوة ، والسلطة ، والطغيان ، والقهر ، والقتل  والهدم ، إلى أين ؟
 
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾
( سورة النساء ) .
أيها الإخوة الكرام :
﴿ قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ .
الظالم غير مفلح أبدا :
أولاً : لا يفلحون الذين ظلموا أنفسهم فلم يعرفوها بربها ، ولم يحملوها على طاعته ، ولم يتقربوا من الله عزوجل بالعمل الصالح ، هؤلاء ظلموا أنفسهم ، وأشد أنواع الظلم أن يظلم الإنسان نفسه .
للتقريب :
لو أعطينا إنسانا شيكا بمليون دولار ، 52 مليون ليرة ، والشيك موضوع على ظهره ، يظهر ورقة بيضاء ، فأنت اضطررت أن تجري عملية حسابية بسيطة ، رقمين برقمين ، ضربتهم على هذه الورقة البيضاء ، فلما انتهت مزقته ، وألقيته في المهملات ، وهذا الشيك لا يعوض ، ومئة مليون دولار ، أنت انتفعت بالشك ، استخدمته كورقة ، لكن بين أن تستخدمه كورقة وأن تستخدمه كقيمة نقدية مئة مليون دولار كم تشعر بالخسارة ؟ كم تشعر بالندم ؟
هذا الذي يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً ، هذا الذي يتاجر في الدين ، هذا الذي يستخدم الدين للدنيا ، الإمام الشافعي يقول : " والله لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق بالدين " ، الدين دين ، " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " .
(( يا ابن عمر " دينك " دينك " إنما هو لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ الدين عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا )) .
[ روي عن ابن عمر ] .
لا تتبع الرخص والفتاوى الشاذة :
إخواننا الكرام ، أنا ألاحظ ملاحظة عجيبة أن معظم الناس يتكئون على فتوى ، فتوى من أحد علماء مصر بالسماح بإيداع المال بالبنوك بفائدة وسماها عائدة ، ومرة أنا سُئلت سؤالا على الهواء في إذاعة بدولة مجاورة : ما قولك في هذه الفتوى ؟ قلت : لا تجد عالماً من علماء المسلمين يفتي بهذه الفتوى ، فلذلك العبرة لا أن تتكئ على فتوى ، لو أنك التقيت مع سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسألته سؤالاً وكنت طليق اللسان ، أوتيت حجة وبرهان أوتيت لحناً في القول ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((وَلَعَلّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَإنّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقّ أَخِيهِ شَيْئا فَإنّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النّارِ )) .
[مُتَّفَقٌ عَلَيْه ] .
إنك لا تنجو من عذاب الله لو انتزعت فتوى من فم سيد الخلق ، إذاً لا ينجينا إلا أن نطيع الله عزوجل .
اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ تهديد ووعيد :
أيها الإخوة .
﴿ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ .
يا من عارضتم النبي ، يا من تآمرتم على قتله ، ثم أخرجتموه ، ثم نكلتم بأصحابه ، يا من تفننتم بإيذائه .
﴿ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ .
هناك يوم آخر تسوى في الحسابات ، والله الذي لا إله إلا هو لولا أن هناك يوماً آخر تسوى فيه الحسابات ، ويؤخذ للمظلوم من الظالم لكانت الحياة لا تطاق ،هناك طغاة ، 10 % من سكان الأرض يملكون 90% من ثرواتها ، 10% والـ90 % يأكلون الفتات ، مع القهر ، والسيطرة ، والكذب ، والدجل ، والتهديد ، والوعيد ، والمفارقات حادة ، دولة عندها مئتا رأس نووي لا تُساءل ، ولا تُحاسب ، تهدد بها أمن المنطقة ، دولة ثانية بأهداف سلمية تقوم الدنيا ولا تقعد ، والحديث عن الخيار العسكري ، من قال ، إن السلاح النووي يجب ألا يمتلكه المسلمون ؟
قيا أيها الإخوة ، هذا الذي يتجبر ، ويكيل بمكايل عديدة جداً ، ويبني مجده على أنقاض الآخرين ، يبني غناه على فقرهم ، يبني عزه على ذلهم ، يبني حياته على موتهم هذا قال الله عنهم :
﴿ قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ .
الظلم ظلمات يوم القيامة .
والله سمعت قصة ، وليس من عادتي أن أروي مناماً إطلاقاً ، لكن ديننا دين حقائق ، دين نصوص ، دين أدلة ، لكن المنام سأرويه تجاوزاً ، لأنه يستأنس به ، امرأة عندها أولاد ، وتربي أولادها من زوجها من زوجة مطلقة ، إذا سقتهم الحليب تسقي أولادها كأس حليب كامل الدسم ، وتسقي أولاد زوجها نصف كأس حليب ممزوج بالماء ، لها قريب يحبها حباً جما ، توفيت ، يراها في المنام أنها تحترق ، أقسم بالله رآها أكثر من 8 سنوات وهي تحترق ، إلى أن قالت له مرة ، وكانت بحالة طيبة ، يا بني لقد فُرج عني بسبب ، قالت له ، الحليب فقط ، فسأل ، دقق ، بحث إلى أن وصل إلى هذه القصة .
من السهل أن تطعمي ابنك حليباً كامل الدسم ، وابن زوجك نصف كأس حليب ممزوج بالماء ، ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .
صحابي خاض مع النبي معارك ، وتوفاه الله ، فجاء ليصلي عليه النبي قال :
((  أعليه دين قالوا : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم )) .
( أبو داود عن جابر )
كم من إنسان بهذه البلدة مغتصب مالا ، ولا يدفع الدين ، أعتقد أنه ما مِن تاجر إلا عنده مبلغ فلكي ديونا ميتة ، اشتريت بضاعة ، وبعتها وربحت ، يماطل ، بعد هذا يمل صاحب الدين ، لذلك قالوا : الدين هالك إلا ما رده الله ، وكم من إنسان يأكل أموال الناس بالباطل ؟ كم من إنسان يعتدي على أعراض الآخرين ؟ كم من إنسان يوقع بين الناس كي يقوى عليهم ، فالله عزوجل كبير .
والله أيها الإخوة ، حينما تعرف عدل الله عزوجل يمكن أن ترتعد مفاصلك .
هناك قاضٍ في العهد الأموي طرق بابه ، وجاء خادمه يقول : إن في الباب رجلاً قدم لك هذا الطبق من الرطب ، والقاضي معروف بالمدينة ، أنه يحب الرطب في بواكيره ، والفاكهة بأولها غالية جداً ، عشرة  أضعاف ثمنها ، فقال : من قدمه ؟ قال : رجل في الباب ، قال : صفه لي وصفه قال له : كيت وكيت ، فعرفه أحد المتخاصمين عنده ، قال له : رد الطبق ، بعد أيام قابل الخليفة ، وطلب إعفاءه من هذا المنصب ، قال له : لمَ ؟ قال له : والله طرق بابي إنسان ، وقدم لي طبق من الرطب ، فلما علمت أن الذي قدمه أحد المتخاصمين عندي رددته ، لكني في اليوم التالي تمنيت أن يكون الحق
مع الذي قدم هذا الطبق ، إذاً أنا لست عادلاً ، أعفيني من هذا المنصب .
هكذا الحساب يوم القيامة .
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ، اقرأ الآية .
أعرابي لا يقرأ ولا يكتب جاء النبي الكريم ، قال له : عظني ولا تطل ، يريد كلمة مختصرة ، فتلا عليه قوله تعالى :
 
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ¯وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
( سورة الزلزلة ) .
قال : كُفيت ، فقال عليه الصلاة والسلام : فقه الرجل .
حينما تشعر أن الله سيحاسبك عن كل شيء ، وأكبر وهم أيها الإخوة أن الإنسان يتوهم بجهله بأصول الدين أنه إذا ذهب إلى بيت الله الحرام يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وإذا صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، ويغيب عنه كثيراً أن هذه الذنوب التي تغفر في الحج وفي العمرة ، وفي الصيام والقيام ، وبعد التوبة ما كان بينك وبين الله فقط ، أما ما كان بينك وبين العباد لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة ، لذلك قال تعالى :
 
﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾
( سورة الأحقاف الآية : 31 ) .
( مِنْ ) ، يغفر لكم بعض ذنوبكم ، ماذا يملك الإنسان ؟ أغلى شيء يملكه حياته  ، فالشهيد قدم حياته في سبيل الله ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين )) .
[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن ابن عمرو ] .
تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ
بقي شيء واحد أيها الإخوة في هذه الآية ، وهو أنه حينما قال الله عزوجل :
﴿ قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾ .
تكون له ، يقول الله عزوجل :
 
﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾
( سورة البقرة الآية : 286 ) .
فالخير يعبر عنه بله ، والشهر يعبر عنه بعليه .
﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ .
 
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾
( سورة التوبة الآية : 51 ).
ليس علينا ، لذلك الذي عرف الله ، وعرف الطريق إليه ، وتقرب إليه بالأعمال الصالحة له عاقبة الدار .
﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ .
استخدم عقلك قبل فوات الأوان :
فالبطولة ما سيكون ، لذلك ما هو العقل ؟ أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، والمثل الذي أرويه كثيراً :
أن إنسانا سافر إلى حمص ، وجد لوحة صغيرة لا تزيد على هذه الورقة   : الطريق إلى حمص في الشتاء مغلق في النبك بسبب تراكم الثلوج ، هذه الورقة تجعله يعود إلى رشده ، أما الدابة إذا مشت على هذا الطريق فلا تقف إلا عند الثلج ، ما الذي حكم الإنسان العاقل ؟ عقله والنص ، ما الذي حكم الدابة ؟ الواقع .
فالإنسان دائماً يندم عند الموت :
 
﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾
( سورة الفجر ) .
الموت معروف ، والقرآن بين يديك ، والأحاديث كثيرة ، لمَ لم تستخدم عقلك لمعرفة الحق من الباطل ، لذلك الإنسان يوم القيامة يرى مكانه في النار ، فيصيح صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا من شدة الندم ، وفي بعض الآثار بالجامع الصغير :
((  إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى ، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ))  .
( الجامع الصغير عن جابر بسند ضعيف )
فلئلا نندم أتمنى على كل أخ كريم إن رأى أن الله يتابعه فليفرح .
(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبد المؤمن وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده ، أو إقتاراً في رزقه ، أو مصيبة في ماله أو ولده ، حتى أبلغ منه مثل الذر ، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه )) .
( ورد في الأثر )
الخيارات بين أيدينا :
والخيارات بين أيدينا ، طريق الحق واضح والباطل واضح ، الخير واضح  والشر واضح ، وكان قبل خمسين سنة في أبيض وأسود ورمادي بينهما ، الآن اختفى الرمادي ، في أبيض وأسود ، مؤمن أو كافر ، فتاة محجبة حافظة لكتاب الله ، أو متفلتة  محسن أو مسيء ، منصف أو ظالم ، رحيم أو قاسي ، مخلص أو خائن ، الآن هناك حالات والدليل :
 
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
( سورة القصص الآية : 50) .
والحمد لله رب العالمين
وفي درس آخر إن شاء الله نتابع الآيات .
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب