سورة فاطر 035 - الدرس (5): تفسير الأيات (11 – 12)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة فاطر 035 - الدرس (5): تفسير الأيات (11 – 12)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة فاطر

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة فاطر ـ (الآيات: 11 - 12)

18/07/2012 18:13:00

سورة فاطر (035)
 
الدرس (5)
 
تفسير الآيات: (11 ـ 12)
 
 
 
لفضيلة الشيخ
 
محمد راتب النابلسي
 

  
بسم الله الرحمن الرحيم
 
        الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة أتم والتسليم على سيدنا محمدالصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الأكارم ، مع الدرس الخامس من سورة فاطر ، وقد وصلنا إلى الآية الحادية عشرة ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾
 
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ
 
1 ـ في القرآن الكريم إشارات إلى آيات كونية :
 
في القرآن الكريم من حين إلى آخر إشارات إلى آيات كونية ، ولأن الله عز وجل جعل الآيات الكونية دالة عليه ، وطريقاً إليه وسبباً لمعرفته ، حيث قال تعالى :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
(سورة الجاثية : 6)
إذاً : كأن الله عز وجل يدعونا إلى أن نعرفه ، بهذه الطريقة ، من هذا الأسلوب ، بهذا السبب :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
أحياناً قد يزداد الإنسان علماً بأمر الله ، ولا يزداد علماً بالله ، فضعفه في تنفيذ مضمون هذه الآيات ، لأنه إذا ازداد علمه بأمره ، ولم يزدد علمه به ، فبذلك ينشأ التناقض ، فهو يعلم ، ولا يطبق ، يقتنع ، ولا يسلك ، من ازداد علماً ، ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعداً ، إذاً : لا بد من أن نتحرك على خطين ، على خط معرفته ، وعلى خط معرفة أمره ، وإذا ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم آيات كونيةً ، فهذه عنوانات لموضوعات التفكر ، وقد أمضينا في الدرس الماضي جزءاً كبيراً منه في الحديث عن آية السحاب والأمطار والرياح ، وما إلى ذلك .
واليوم ربنا عز وجل يقول :
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ﴾
 
2 ـ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
 
أنت أيها الإنسان العاقل لو رأيت قطعة من خشب ، ورأيت علبة من خشب ، فقطعة الخشب وعلبة الخشب كلاهما من خشب ، لكن العلبة لا بد من يد صانع صنعها ، تحكم بعقلك أنه لا بد لهذه القطعة من الأثاث المصنوعة من الخشب من صانعٍ صنعتها ، ومن مصمم صممها ، ومن مكوّن كوّنها ، أسماءٌ ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ـ كما قال هذا الإعرابي ببساطة ، البعرة تدل على البعير ، والأقدام تدل على المسير ، والماء يدل على الغدير ، أ سماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، ألا تدلانِ على الحكيم الخبير ؟ الله عز وجل يقول :
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ﴾
 
مِن عجائب خَلق الله في الإنسان :
 
نقطة ماء تصبح طفلاً بعد أشهر تسعة ، وشيء حسن ، فمِمّ هذا الطفل كائن ؟ له جلد ، فيه دماغ ، وبدماغه 140 مليار خلية ، و14 مليار خلية قشرية ، أعصاب ، هيكل عظمي ، عظام متحركة ، عظام ثابتة ، مفاصل متحركة ، مفاصل ثابتة ، عضلات مخططة ، عضلات ملساء ، جهاز هضم ، الفم واللسان ، والبلعوم ، والمريء ، والمعدة ، والأمعاء الدقيقة والغليظة ، والامتصاص ، والكبد ، والبنكرياس ، والرئتان ، والقلب ، و الدسامات ، والأوردة ، والشرايين ، والغدد الصماء ، والغدد ذات الإفراز الداخلي والخارجي ، في هذا الطفل الصغير الكبد تقوم بـ5000 وظيفة ، والقلب يضخ في اليوم الواحد ما يساوي 8 أمتار مكعبة من الدم ، فلو قرأت أي كتاب بين يديك ، كتابا بسيطا جداً في التشريح  لرأيت العجب العجاب ، هذا الطفل مَن خلقه .
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ ﴾
(سورة الطور : 35)
هو كائن ، لكنّه أعقد كائن في الكون .
ماذا أقول لكم ؟ لو أن الإنسان عُلّق من رجليه ، وأسقيناه كأس ماء لصعد الماء نحو الأعلى على خلاف قانون الجاذبية ، لأن المريء مجهز بعضلات دائرية تتقلص تباعاً ، وتدفع الطعام نحو الأعلى ، الأشياء التي يمكن أن تقال عن جسم الإنسان شيء يفوق حد الخيال :
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ ﴾
(سورة الطور : 35)
 مَن الذي صمم أن الشعر والأظافر ليست فيها أعصاب حس مثلاً ؟ لو أن الله عز وجل أودع في الشعر والأظافر أعصاب حس لاحتجنا إلى عملية في مستشفى كي نحلق رؤوسنا بتخدير عام  ، من جعل في العظام أعصاب حس ؟
الإنسان حينما ـ لا سمح الله ـ تكسر رجله لشدة الألم المتولد من أعصاب الحس يبقيها كما هي ، وإبقاء رجله المكسورة كما هي أربعة أخماس علاجها ، من جعل في الأنف هذا الشعر ؟ ولم يجعل في الفم ذلك الشعر ، لو أن الشعر في الفم أيضاً كيف نأكل ؟ من جعل هذا المفصل في ساعده ، لولا هذا المفصل لاضطر الإنسان أن يأكل كالقطة ، ينبطح على الأرض ، ويأكل الطعام بلسانه فقط  ، فمن حَمّمَ هذا المفصل .
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
(سورة التين : 4)
﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾
(سورة الانفطار : 8)
حسنٌ وطيّب ، هذا الخلق ألا ينبغي أن يلفت نظرنا . فالله عز وجل يقول :
﴿ وَاللَّهُ ﴾
هذا الخلق العجيب ، هل رأيت أن هناك تعديلاً طرأ على خلق الإنسان ؟ هل سمعت أن إنساناً له موديل مثلاً ؟ فمنذ أن خُلق الإنسان خلق خلقاً كاملاً ، معنى ذلك أن خبرة الله قديمة ، أما الإنسان فخبرته تنمو ، كل سنة يُعدّل ، ويتلافى نقصاً ، يقوّي مكاناً ضعيفاً ، أو يحل مشكلة في الآلة ، كلما تقدم الزمن نمت خبرة الإنسان ، أما ربنا عز وجل فخبرته قديمة ، منذ أن كان الله عز وجل ، كان الله ولم يكن معه شيء .
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾
(سورة النساء : 17)
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾
(سورة النساء : 35)
خبرته قديمة .
أنا قصدي أن الله عز وجل يبيّن لنا أن هذا الماء المهين 300 مليون حوين في اللقاء الزوجي ، والحوين في رأسه مادة نبيلة مغلفة بغشاء رقيق ، فإذا اصطدمت بالبويضة ، تمزق الغشاء فخرج هذا السائل النبيل ، أذاب جدار البويضة ، ودخل هذا الحوين ، وتم اللقاح .
والله أيها الإخوة الأكارم ، والله لقد خلق الإنسان في الرحم شيئًا لا يُصَدّق ، أو قُل : لا يستوعبه العقل ، أما الولادة فشأنها عجيب .
﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾
(سورة عبس : 20)
شيء لا يصدق ، الأعصاب ، العضلات ، الأجهزة ، الغدد .
الإنسان ينام ، حينما ينام ماذا يحصل ؟ يحصل أن جسمه مؤلف من هيكل عظمي ، وفوق العظام عضلات ، وتحت العظام عضلات ، فالعضلات التي فوق العظام وزنها يضغط على العضلات التي تحت الهيكل العظمي ، حينما تضغط هذه العضلات تضيق لمعة الأوعية الدموية ، تضعف التروية ، فيتقلب الإنسان ، من الذي يعطي تنبيهاً للدماغ ؟ وأنّ هذه المنطقة قد ضغطت ، وضاقت لمعة الأوعية الدموية فيها فيتقلب الإنسان على شق آخر ، وهو نائم ، ربنا عز وجل قال :
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
(سورة الكهف : 18)
من الذي جعل هذا الإنسان يتقلب في الليل ؟ ما بين 35 مرة إلى 39 مرة وهو لا يدري ، لكن ليس على جنب واحد ، وإلا لوقع من على السرير :
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
(سورة الكهف : 18)
 مرة هكذا ، ومرة هكذا ، هذا صنع مَن ؟ وأنت نائم ، يزداد إفراز اللعاب في فمك ، فيأتي تنبيه إلى الدماغ ، زاد اللعاب ، فيعطي أمراً للسان المزمار بأن يفتح ، يغلق على القصبات الهوائية ، ويفتح المريء فيسيل اللعاب إلى مكانه الطبيعي ، وأنت نائم .
من أعطى أمراً لهذه الحدقة تتسع إذا اشتد الظلام ؟ ومن أعطى أمراً وأنت لا تدري كي تضيق إذا اشتد النور ، راقب عينك بمرآة تتسع الحدقة إذا ضعف النور ، وتضيق إذا أشتد النور ، صنع من ؟
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ﴾
 هو الخالق .
 إذاً :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾
(سورة البقرة : 21)
العين ، والأنف ، والأذن ، واللسان ، وجهاز الهضم ، وجهاز الدوران ، وجهاز التصفية ، شيء عجيب جداً ، هذه حقائق بسيطة جداً ، يدرسها طلاب التعليم الثانوي ، وفي الجامعة حقائق أعقد  ، والآن هناك بحوث ومعلومات أدق بكثير عن خلق الإنسان :
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ ﴾
(سورة الطور : 35)
الإنسان بين يديه وسيلة إيضاح  وأداة لمعرفة الله ، لا تنقضي طوال حياته ، لو أمضى كل حياته في التفكر في خلقه لما انتهى من عجائب هذا الجسم العجيب .
إذاً : الله عز وجل يقول :
﴿ وَاللَّهُ ﴾
هذا القوام ، من الذي قال للعظام : توقفي عن النمو ؟ من قال ؟ أجيبوني ، لا أحد يعرف ، هذا العظم ينمو وينمو وينمو .
ذات مرة سئلت : من الذي يجعل هذا العظم يقف عند هذا الحد ؟ فقلت : الله ، فالله قابض وباسط ، فقال لي السائل : هذه إجابة مضحكة ، ثم قال : كأن هناك خطاً في الفراغ تتحرك العظام نحوه ، فإذا وصلت لهذا الخط توقف نموها ، حسناً فمن الذي رسم هذا الخط يا أستاذ ؟ هو القابض ؟ لو أن الإنسان يزداد طوله إلى ما شاء الله ، هذا مرض خطير اسمه العملقة ، الأسنان تقف عند حد ، والعظام عند حد ، والشعر عند حد ، هذا من فعل القابض حسناً فأنت تذهب لتنام ، من الذي صمم جسمك أن حركة الرئتين تعملان آلياً ؟ لو أن الله عز وجل أوكل إليك التنفس ، هل بإمكانك أن تنام ، إذا نام الإنسان مات ، ولحكمة أرادها الله عز وجل كل 200 ألف شخص  إلى 500 ألف تجد إنساناً يصاب بمرضِ مركزِ تنبيه الرئتين ، يصاب هذا المركز بتلف ، هذا الإنسان لا يستطيع أن ينام أبداً ، فإذا نام مات ، بعد لأيٍ وجهد طويلين وصل العلماء إلى دواء ، يأخذه هذا المريض كل ساعة الدواء ليستطيع أن ينام ، وأعرف شخصاً بدمشق أصيب بهذا المرض ، فهذا الدواء يجب أن يأخذه الساعة التاسعة ، والساعة العاشرة ، و11 و 12 ، و1 ، و2 ، وإلا فإنه يموت ، فأنت تغطّ في نومك ، وأمور قلبك ، أمور رئتيك ، أمور لسان المزمار ، أمور التقلب كلها تعمل بانتظام .
ابحث عن الحركات المعقدة ، التي تجري وأنت نائم ، الهضم ، لو أوكل الهضم إليك ، تعشيت ونمت ، البنكرياس ما أفرغناها ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، تأخرنا ساعة عن تفريغ البنكرياس ، وساعة عن الصفراء ، وساعة عن الأمعاء الدقيقة ، لوقفت كلها ، وما اشتغلت ، والأمعاء الغليظة ، أنا نائم ، بتلاقي اللعاب والمري والمعدة الحركات والمواد الهاضمة ، وحمض كلور الماء ، والبنكرياس من جهة ، والصفراء من جهة ، والإفرازات الداخلية ، وحركة الأمعاء اللولبية ، إلى أن يصبح هذا الطعام دماً ، وأنت نائم ز
حركة القلب ، لو أن الإنسان أوكل إليه حركة قلبه ، لتعطلت أعماله كلها ، لو أوكل إليه تصفية دمه ، لتعطلت أعماله كلها ، لو أوكل إليه التنفس فقط لأعجزه الحال ، فهذا الرجل المريض اشترى أربع منبهات ، آوى إلى فراشه الساعة العاشرة  إذاً : الساعة الحادية عشرة يأخذ حبة ، يرجع لينام ، والساعة الثانية عشرة يأخذ حبة ، يرجع ينام ، الساعة الواحدة يأخذ حبة ، يرجع ينام ، والساعة الثانية ليلاً يأخذ حبة :
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ ﴾
(سورة الطور : 35)
لهذا الرجل المريض ابن في أمريكة رجع في العطلة ، جاء من سفر بعيد ، من فرحه به  سهروا سهراً طويلاً ، ثم ناموا ، وضربت المنبهات فلم يستيقظ ، فوجدوه صباحاً ميتاً ، فأنت كم جهازا عندك في جسمك ؟ جهاز حركة الرئتين الآلية ، ضربات القلب الآلية ، الهضم الآلي ، التصفية الآلية ، البلعوم الآلي ، التقلب الآلي ، هذا كله وأنت نائم ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴾
 
معنى : وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ
 
خالق هذا الكون هو الذي خلقكم من تراب  .
 
المعنى الأول :
 
أن الله جل وعلا خلق آدم من تراب ، فهذا نسبة إلى الأصل ، ما دمنا من آدم جميعاً ، وآدم من تراب ، إذاً نحن من تراب ، هذا المعنى الأول .
 
المعنى الثاني :
 
حينما يأتيك صبي لتوه ، وزنه 3 كيلو ، بعد 20 سنة صار وزنه 70 كيلوا ، أو 80 ، أو 60 ، اطرح 3 من 70 67 كيلو من أين جاءت ؟ من الطعام والشراب ، من تناول الأطعمة والأشربة ، طيبٌ ، هذه الأطعمة من أين جاءت ؟ خطر في بالي وأنا في طريقي إليكم ، أن 1000 بذرة خيار وزنها 16 غراماً ، هذه 1000 بذرة تعطي في شروط عالية جداً 16 طناً ، فإذا كان الغرام أعطى ألفاً ، والألف أعطت ألفاً ، يعني مليوناً ، ألفَ ألف مليون ضعف ، طيب من أين جاء هذا الوزن ، 16 غراماً وزن البذور ، تعطي 16 طناً ، أليس من التراب ؟ من التربة ، الآن أُدخل إلى حقل زراعي تجد مجموعاً خضرياً كبيراً جداً ، له وزن ، فمن أين جاء هذا الوزن ؟ من التراب .
المعنى الثاني : أن هذا الوزن الذي حصلته فارق الوزن بين وزن الولادة والوزن الحالي ، هو من الطعام والشراب ، والطعام والشراب من التراب ، فإذا قال الله عز وجل :
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴾
 شيء رائع ، فأنت من هذا التراب .
﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾
(سورة طه : 55)
فعلام الكِبَر ؟ إذا كنا من تراب ومصيرنا إلى التراب ، والتراب يداس بالأقدام .
خفف الوطأة ما أظــن أديــم       الأرض إلا من  هذه الأجساد
سر إن استطعت في الهواء رويداً         لا اختيالاً على رفات العبـاد
***
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ﴾
 
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
 
النطفة ، الحوين 300 مليون حوين تخرج من الرجل في اللقاء الزوجي ، تختار البويضة واحداً منها ، الحوين يتحركحركةً عن طريق ذيل ، كيف أن السمكة تتحرك بالطريقة هذه ، يتحرك هذا الحوين ، يتحرك في الساعة عشرة سنتمترات تقريباً ، وهذا الحوين له رأس ، وله عنق ، وله ذيل ، وكما قلت قبل قليل : في رأسه مادة نبيلة ، مغلفة بغشاء ، إن اصطدمت بالبويضة تَمزَّق الغشاء ، وأذابت هذه المادة النبيلة جدار البويضة ، ودخلت إليها ، هذا شأن الحوين ، هذا الكلام الذي أقوله لكم هو معلومات بسيطة جداً ، وهذا الحوين عليه خمسة آلاف مليون معلومة ، فأنت شعرك له لون ، العينان لهما لون ، واسعتان ، صغيرتان ، أنف أقنى ، أنف طويل ، خد أسيل ، شعر جعد ، كل الصفات الدقيقة ، حتى أدق الصفات مصممة بهذا البرنامج ، برنامج زمني ، هذا الحوين عليه خمسة آلاف مليون معلومة والبويضة عليها خمسة آلاف مليون معلومة .
﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾
(سورة الإنسان : 2)
أنا أذكر لقطات غير منظمة أيضاً عن خلق الإنسان ، كيف تنقسم هذه الخلية الملقحة ، البويضة الملقحة ، تنقسم إلى عشرة آلاف جزء من دون أن يزداد حجمها ، لأنها تسير في نفق ، لو ازداد حجمها لوقفت ، وكيف تصل إلى الرحم ؟ وكيف تنغرز بالرحم ؟ وكيف تتجه الأوعية الدموية لتغذية هذه البويضة الملقحة ؟ ثم كيف تتماوج ؟ تصبح دماغاً ، وتصبح أحشاء ، وأعضاء ، بشكل عجيبٍ عجيب ، وفي الشهر التاسع هذا الطفل يولد من بطن أمه كائناً سوياً له قوامٌ وعضلات وعظام وأجهزة وحواس وغدد ، وما إلى ذلك .
أيها الإخوة الأكارم ، أنت لا تذكر كيف ولدت ، ولكن ابنك يعلمك بأنَّه هكذا كان أصلك ، هكذا ولدت بهذه الطريقة ، فربنا عز وجل يقول :
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ﴾
 
ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا
 
1 ـ خصائص الذكر والأنثى بين الاتفاق والاختلاف :
 
مَنْ جعل ذكراً وأنثى ، من أعطى الذكر خصائصه العقلية ، وخصائصه الجسمية ، البيولوجيا ، وخصائصه النفسية ، وخصائصه الاجتماعية ، ومن أعطى الأنثى خصائصها الجسمية ، وخصائصها النفسية ، والعقلية والاجتماعية ، من جعل بين الذكر والأنثى قاسماً مشتركاً ، لتكون الأنثى سكناً للرجل ، ومن جعل فارقاً دقيقاً بين الأنثى والذكر.
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾
(سورة الليل : 1 ـ 3)
من جهة هما متشابهان من نفس واحدة ، ومن جهة وليس الذكر كالأنثى ، الأنثى مجهزة بكل الخصائص الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية لتكون أماً ، زيد في عاطفتها ، وزيد في حساسيتها ، وزيد في انفعالاتها ، واتجهت لأن تكون سكناً للرجل ، والرجل زيد في قوته العضلية ، وزيد في قوة محاكمته ، وزيد في جلده ليكون كاسباً للرزق  .
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهِيَ تَقُولُ : (( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَكَلَ شَبَابِي ، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي ، حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي ، وَانْقَطَعَ وَلَدِي ، ظَاهَرَ مِنِّي ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ : ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ﴾ )) .
[ ابن ماجه ]
ولي منه أولاد ، إن تركتهم إليه ضاعوا ـ أنا أُرَبّي ، وهو لا يربي ، وإن ضممتهم إلي جاعوا ـ أنا لا أكسب الرزق ، هو يكسب الرزق .
 
2 ـ الذكر والأنثى كلٌّ له ميدانه :
 
الله عز وجل جعل للرجل خصائص ، والمرأة لها خصائص ، وهما متساويان تماماً في التكليف والتشريف ، والثواب والعقاب ، ومختلفان في البنية ، لذلك أية عملية هدفها أن تحل المرأة محل الرجل ، أو أن يحل الرجل محل المرأة فهي إفساد للحياة ، إفساد كبير ، كلاهما مساوٍ للآخر  من حيث إنهما مكلفان بأركان الإيمان وأركان الإسلام ، ومستحقان للثواب والعقاب ، ولكن المرأة صممت ، وجهزت بوسائل وخصائص تعينها على أداء مهمتها في الحياة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما ‏أخرجه البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت : قال عليه الصلاة والسلام :
(( انصرفي أيتها المرأة ، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها ، وطلبها مرضاته ، واتباعها موافقته ، يعدل الجهاد في سبيل الله ، فأدبرت المرأة ، وهي
 
 تهلل وتكبر استبشارا )) .
[ البيهقي ]
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ﴾
 
3 ـ نظام الزوجية في الكون :
 
نظام الزوجية في الكون نظام رائع ، نظام بديع ، نظام معجز ، كيف أن الزوج والزوجة ينجبان هذه المخلوقات ، ينجبان الأطفال ، كيف أن النبات أساسه الزوجية ، كيف أن الحيوان أساسه التزاوج ، ويكاد يكون التكاثر الزوجي هو النمط الأعم الغالب في الحياة ، من صمم ذلك ؟ الله سبحانه وتعالى :
﴿ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ﴾
 
وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ
 
عملية الحمل عملية معقد جداً ، فحمل الأنثى ووضعها بعلم الله عز وجل .
أريد أن أوضح لكم ناحية ، حينما أنظر إلى أخ يحرك هذا الكأس ، أقول : أنا أعلم ما تفعل ، لأنني أشاهد ما يفعل ، أما حينما أحركه بيدي ، فهذا أبلغ من العلم ، إذا كنتَ تراقب حركة ، وقلتَ : أنا أعلم ماذا حصل ، هذا شيء طبعاً بديهي ، أما حينما تحرك هذا الشيء بيدك فهذا أبلغ من العلم .
مَن الذي كوَّن هذا الجنين في بطن أمه ؟ الله سبحانه وتعالى ، يد مَن ؟ هذا الرحم الذي حجمه تقريباً 7.5 سنتيمترات مكعبة ، ثم يصبح الرحم بحجم كبير جداً حينما يمتلئ بالجنين في تسعة أشهر ، ثم هذا الرحم يتقلص تقلصات لطيفة متزامنة متدرجة ، الطبيب يعرف أن بعد ساعتين تلد ، أو بعد خمس ساعات ، من التوقيت ومن الزمن بين التقلصين ، فكل ساعة تقلص ، كل خمسين دقيقة تقلص ، كل أربعين ، كل ثلاثين ، كلما اقترب زمن التقلصين اقتربت الولادة ، من جعل هذا الرحم يتقلص هذا التقلص اللطيف ، إلى أن يدفع الطفل إلى خارج الرحم ، فإذا دفعه تقلص تقلصاً عنيفاً ، وشديداً ، ليسد هذه الأوردة والشرايين التي تمزقت من الولادة ، فإذا رأى الطبيب أو القابلة أنّ هذا الرحم صخري التكوين فالولادة سليمة ، فإذا كان رخواً فالحالة في خطر ، فمعنى ذلك أن هناك نزيفاً ، من جعل هذا الرحم يتقلص ؟ أهو يعقل ؟ ثم يتقلص تقلصاً عنيفاً العلماء ، ولو انعكست الآية لماتت الأم نزيفاً ، والولد خنقاً ، لو انعكست الآية ، لو تقلص الرحم تقلصاً عنيفاً ، والجنين في داخله لمات الجنين ، فإذا تقلص تقلصاً رخواً بعد الولادة لماتت الأم نزيفاً ، فربنا عز وجل يقول :
 
﴿ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ﴾
الله عز وجل يعلم ، علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .
 
شُبهةٌ لا قَدَم لها ولا ساق :
 
هناك شيء آخر ، قد يقول قائل ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ﴾
(سورة لقمان : 34)
هو سبحانه لم يقل : ويعلم من في الأرحام ، فإذا توصل العلماء إلى تصوير الجنين ، أو تحليل دمه ، أو أخذ سائل الأمنيوسي ، فعرفوا أن الجنين ذكر أو أنثى ، وقد يخطئون حتى الآن ، ليس معنى هذا أن الآية انتقضت ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ﴾
 وهذه " ما " تشمل كل صفات الجنين ، من يعلم أن هذا الطفل سيكون عالماً جليلاً ، أو مجرماً خطيراً ، من يعلم أن هذا الطفل سيكون ألمعياً أو غبياً ، من يعلم أن هذا الطفل سيكون معمراً ، أو قصير العمر ، هذا كله يعلمه الله عز وجل .
﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ﴾
 
وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ
 
1 ـ الموت أخطرَ حدثٍ عند الإنسان :
 
ما دام حدثُ الموت أخطرَ حدثٍ عند الإنسان ، فهو من فعل الله سبحانه وتعالى .
في قوله تعالى :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾
(سورة الملك : 2)
فتقديم كلمة الموت على كلمة الحياة هذا تقديم اهتمام ، تقديم خطورة ، بما أن الموت أخطر حدث في حياة الإنسان ، إذاً هو من فعل الله عز وجل ، ولا يستطيع بنو البشر مجتمعين أو متفرقين أن ينهوا حياة إنسان ، هكذا عقيدتنا ، قد يبدو لك في الظاهر أن فلاناً قتل فلاناً ، المقتول يموت في أجله ، إنهاء الحياة لا يمكن أن يكون في يد البشر ، لكنّهُ بيد خالق البشر ، وإذا تم على يد البشر فبإذن خالق البشر ، هذا كلام قطعي ، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة ، إنهاء الحياة لا يكون إلا بيد الله عز وجل ، فأن تقول : فلان طال عمره ، وفلان قصر عمره ، وفلان مات بحادث ، وفلان لو لم يفعل كذا لما مات ، لو أن الطبيب أسعفه لما مات ، لو أن التخدير كان جيداً لما مات ، كل إنسان محاسب عن تقصيره ، أما أن تقول : فلانٌ أماتهُ ـ أي قتله ـ قبل أجله ، هذا شيء مستحيل .
إذاً :
﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ﴾
 
2 ـ قيمة العمر في العمل الصالح لا في مدته :
 
وهناك تعليق لطيف على موضوع العمر ، كلكم يعلم أن هناك عمرا زمنيا ، فلان يعيش 80 سمة ، 70 ، 60 ، 45 ، 38 ، 110 ، 130 ، 90 ، 115 هذه أعمار الإنسان ، هذا العمر قيمته لا بمدته ، بل قيمته بما ينطوي عليه من عمل صالح ، فلذلك إذا سألت الله عز وجل أن يطيل عمرك ، ليس معنى ذلك أن يزداد العمر أمداً ، ولكن أن يزداد غنىً بالأعمال الصالحة ، فالنبي عليه الصلاة والسلام عاش 63 عاماً ، وكم من أمته من عاش فوق هذه السن ، لكنه ترك أثراً في الحياة ، لا يمحى إلى يوم القيامة ، ترك أثراً في مشارق الأرض وفي مغاربها ، كان رحمة مهداة ، ونعمة مرجاة ، العلماء العاملون تركوا آثاراً كبيرة جداً ، فلا تقس عمرك بمدته ، قِسْهُ بما ينطوي عليه من عمل صالح   ، تماماً كما لو فتحت محلك التجاري أربع عشرة ساعة ، و بعت بألف ليرة ، وإنسان فتح محله ساعة واحدة و باع بمليون ليرة ، هل يفتخر الذي فتح المحل أربع عشرة ساعة ؟ أنا أداوم حتى الساعة العاشرة ليلاً ، أما أنت فدوامك ساعة واحدة ، مسكين على هذا الحظ ، دوامه قليل ، لكن بهذه الساعة باع بمليون ليرة ، فحظه وافر ، وهذا الذي فتح محله أربع عشرة ساعة باع بألف ليرة ، قيمة العمل التجاري لا في أمد التجارة ، بل في أرباحها ، و كذلك قيمة العمر لا في أمده ، بل في أعماله الصالحة ، لهذا قالوا : إن الغنى غنى العمل الصالح ، وإن الفقر هو فقر العمل الصالح ، وسيدنا موسى حينما سقى لهاتين المرأتين قال :
﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾
(سورة القصص : 24)
 
3 ـ لا قيمة للدنيا ، فسارعوا إلى الصالحات :
 
أنا فقير لعمل صالح ، والذي يؤكد ذلك أن الإنسان حينما يغادر الدنيا ، أو حينما يشعر بأن المغادرة اقتربت ، حينما يشعر أن أجله قريبٌ لا يندم إلا على ساعة مضت لم يذكر الله فيها ، أو لم يعمل فيها عملاً صالحاً ، و قد ورد في الأثر أن الإنسان لو كانت الدنيا كلها بيديه ، الأراضي في العالم كلها لك ، وكل المحلات التجارية لك ، وكل الشركات المتعددة الجنسيات لك ، وكل أموال الأرض لك ، وجاء ملك الموت تتمنى أن تعطي كل هذا لمن يسمح لك أن يزيد العمر ساعة واحدة تؤدي فيها ركعتين لله عز وجل ، هذه حالة الإنسان حينما يغادر الدنيا ، نحن والحمد لله في بحبوحة ونحن أحياء ، القلب ينبض ، يمكن أن تتوب ، يمكن أن تصحح الماضي ، يمكن أن تعاهد الله عز وجل ، يمكن أن تدع هذا العمل السيئ ، يمكن أن تتخلى عن هذا المبلغ الحرام ، يمكن أن تصطلح مع زيد ، يمكن أن تستسمح من عُبيد ، فما دام القلب ينبض فأنت في بحبوحة ، فلذلك :
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
(سورة آل عمران 133 )
الآية الدقيقة :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾
(سورة البقرة : 148)
 
4 ـ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا
 
لك أن تتجه إلى الحق أو إلى الباطل ، إلى إرواء الشهوات أو إلى القربات ، إلى أكل أموال الناس بالباطل ، أو إلى إعطاء الناس الضعفاء مالاً حلالاً ، لك أن تؤذي ، لك أن تنفع ، لك أن تستقيم ، لك أن تنحرف ، لك أن تعطي ، لك أن تمنع ، لك أن تؤمن ، لك أن تكفر :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
(سورة البقرة : 148)
 لك أن تنصح ، لك أن تغش ، لك أن تخلص ، لك أن تخون أنت مخير ، فأنت في خيار ، لكن الله يراقب .
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
( سورة الفجر : 14 )
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
(سورة البقرة : 148)
هنا يطالعنا سؤال : أيها الإنسان إياك أن تظن أن هذا الأجل إلى مالا نهاية ، وأن هذا الاختيار مُنِحْتَهُ إلى ما لا نهاية ، لا ، الاختيار محدود ، ينتهي عند الموت :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
(سورة البقرة : 148)
ولِّ وجهتك كيف ما تشاء ، افعل ما تشاء ، اعملوا ما شئتم  ، هذا أمر تهديد ، افعل ما تشاء ، كله عليك مسجّل ، كله محسوب عليك :
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
ما دمت مخيَّراً ، وما دمت ممنوحاً هذه الحرية ، وما دام بإمكانك أن تؤمن ، وأن تستقيم ، وأن تتوب ، وأن ترجع ، وأن تصطلح مع الله ، وأن تؤدي الحقوق ، وأن تصلح ذات بينك :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
إياك أن تظن أيها الإنسان أن هذا الاختيار مُنحتهُ إلى الأبد ، لا ، هذا الاختيار منح لك بشكل مؤقت ، مُنح لك في الدنيا ، فإذا جاء الموت أُلغِيَ الاختيار .
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
(سورة الفاتحة : 7)
وأصبحت في قبضة الله عز وجل ، تماماً كما لو أن الطالب في قاعة الامتحان يجيب عن الأسئلة ، فبإمكانه أن يكتب ، وأن يصحح ، وأن يضيف ، وأن يحذف ، وأن يحل هذه المسألة ، فإذا قرع الجرس ، وسحبت الورقة من بين يديه ، وانتهى ، وصححت ، ونالت علامة ثابتة ، فإما أن ينجح ، وإما أن يرسب :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
لكن هذه الوجهة أنت مخيّر فيها ، ولكن هذا الاختيار ليس أبدياً ، منح لك لوقت محدد ، لهذا جاء قوله تعالى :
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
 لأنه :
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾
(سورة النساء : 78 )
الآية دقيقة جداً ، الآن أنت مخير ، واختيارك ينتهي عند الموت ، وإذا جاء الموت طالك أينما كنت ، في فراشك ، في الطائرة ، في بلد أجنبي ، قبل الزواج ، بعد الزواج ، بعد نيل الدكتوراه ، قبل مزاولة العمل ، قبل العرس بيوم :
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ ﴾
إذاً :
﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ﴾
 
5 ـ من دلالات قوله : وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ
 
قال بعض المفسرين : أن يعمر المعمر ، أو ينقص من عمره ، حينما يسمح للإنسان أن يعيش يوماً إضافياً هذه نقطة دقيقة ، كل إنسان مؤمن حينما يستيقظ يجب أن يعلم أن الله جل في علاه سمح له أن يعيش يوماً جديداً ، لهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول :
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا ، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )) .
[ البخاري عن حذيفة ]
النوم موت ، لذلك ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ، والإنسان العاقل يسأل نفسه قبل أن يأوي إلى فراشه : كيف مضى هذا اليوم ؟ ماذا فعلت فيه عملاً ينفعني بعد الموت ؟ ماذا عملت فيه عملاً يرضي الله عز ؟ هل عدتُ مريضاً ؟ هل نصحت إنساناً ؟ هل أمرت بمعروف ؟ هل نهيت عن منكر ؟ هل أصلحت ذات بين ؟ هل وجهتُ أولادي ؟ هل رعيت زوجتي ؟ هل حققت هذه المصلحة ؟ ربنا عز وجل قال :
﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾
(سورة النساء : 114)
 
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا
 
كلام الناس في ندواتهم ، في مجالسهم ، في نزهاتهم ، في رحلاتهم ، في متاجرهم ، في مكاتبهم ، الموضوع الفلاني ، والفلاني ، هذا كلام لا طائل منه ، ولكن ربنا عز وجل قال :
﴿ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ﴾
أي بعمل صالح ، صلاح الدنيا :
﴿ أَوْ مَعْرُوفٍ ﴾
 صلاح الآخرة :
﴿ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾
 أصلح فساداً ، فصلاح الدنيا بالخير ، أو صلاح الآخرة ، بعمل صالح ، إذا تكلمت كلاماً أدى إلى زواج شاب ، أو إلى إيواء رجل ، أو إلى خدمة إنسان ، أو إلى تأسيس مسجد أو ميتم أو عمل طيب ، أو حدثت الناس عن الله عز وجل حتى عرفوه ، وحتى استقاموا على أمره ، وحتى أحبوه ، وحتى أقبلوا عليه ، أو أصلحت خللاً أو مفسدةً ، أو خصومةً ، أو خلافاً ، أو مشكلة :
﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾
 
﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾     
يعني كن فيكون ، زُلْ فيزول ، الله عز وجل أمرُه بين الكاف والنون .
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾
 
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ
 
1 ـ ملوحة البحر :
 
لو درستَ ملوحة البحر لرأيت العجب العجاب ، تطالعك أرقام كبيرة ، فمثلاً : لو أخذنا ميلاً مكعباً من مياه البحر ، كيلو متر ونصف بكيلو متر ونصف ، بكيلو متر ونصف تقريباً ، هذا الميل المكعب من مياه البحر فيه ألوف الأطنان من الملح ، ولا تزال نظرية ملوحة البحر موضع بحث ، كيف كان هذا البحر ملحاً أجاجاً ، ولو كان هذا البحر عذباً فراتاً لفسدت هذه المياه ، ولأفسدت ، حكمة ما بعدها حكمة ، أن هذه المياه مالحة ، وكيف أن هذه المياه المالحة تصبح بعد حين عن طريق التبخر  والسحب والأمطار مياهاً عذبةً تشرب ، ألم تسمعوا أن أناساً كثيرين ماتوا وهم على ظهر البحر ؟ ماتوا عطشاً ، أنا قرأت قصةً عن باخرة عظيمة غرقت في المحيط الأطلسي نجا قارب نجاة واحد عليه 60 راكباً ، ومعهم ماء قليل ، قائد هذا المركب أمر أن كل إنسان يشرب باليوم ملعقة ماء فقط ، بحسب تقديره ، فما وصل من هذا القارب إلى الشاطئ إلا راكبان فقط ، لأنهم قتلوا بعضهم من أجل ملعقة ماء ، رموا ببعضهم في البحر ، من أجل ملعقة ماء ، وهم على سطح البحر ، فما قيمة حياتنا لولا هذا الماء العذب الفرات ؟ هذه آية :
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾
الآن يقول لك : تحلية المياه ، يكلف متر الماء الواحد حسبما سمعت خمسة عشرَ ريالاً تقريباً ، أجرة تحلية اللتر من المياه تقريباً ، مبلغ ضخم فالتحلية ، أغلى من البنزين ، نحن عندنا التحلية مجاناً تتم عندنا من نبع الفيجة نأخذها خالصة ، وقد سمعت خبراً من أيام أن الماء الفائض عن نبع الفيجة ، وقدره 35 متراً مكعباً في الثانية يلقى في نهر بردى :
﴿ عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ ﴾
 
2 ـ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ
لذلك الإنسان إذا شرب كأس ماء عليه أن يشكر الواحد الديان .
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾
( سورة الملك : 30 )  
الله جل جلاله في علاه جعل في بعض البلاد الآبار كلها مالحة ، إلى جانب البحر ، تأخذ من ملوحته ، فهذا شيء لا يحتمل :
﴿ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾
 هناك بحيرات مياهها عذبة .
﴿ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا ﴾
 
3 ـ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا
 
من عجائب الأسماك :
 
هذه الأسماك من آيات الله الدالة على عظمته ، هناك ما يزيد على مليون نوع من الأسماك في البحار ، تنوع الأسماك في البحار شيء عجيب ، منها أسماك متوحشة ، أسماك كبيرة ، هذه الحيتان 130 طناً ، وذات مرةٍ حوتٌ جَرّ سفينة بخارية ، أعملت كل محركاتها 48 ساعة بعكس اتجاه الحوت ، وقد جرها الحوت ، وزنه 130 طناً ، منها 50 طناً من لحم ، و 50 طناً دهنا ، رضعته الواحدة 300 كيلو من الحليب من أمه ، في اليوم يرضع ثلاث مرات طناً من حليب ، وجبته المعتدلة أربعة أطنان حتى يشعر بالشبع ، هذا بالنسبة للحوت ، وهناك أسماك صغيرة جداً ، فسفورية ، سوداء ، شفافة ، لها ذيل لها أرجل ، التنوع بعالم الأسماك شيء يُحيّر العقول ، إنّ الله سبحانه أعطى هذا السمك جهاز ضغط ، هناك خط على السمك بالقسم العلوي ، هذا الخط أنبوب مفرغ من الهواء ، فكلما أوغلت السمكة في أعماق البحر ازداد الضغط ، فعرفت موقعها من البحر ، الله عز وجل زود السمكة بطريقة تعرف أين هي من سطح الماء ، وزودها بجهاز آخر هو محفظة بأسفلها حبات رمل ، وعند حبات الرمل أعصابٌ حساسة ، فإذا كان ظهرها نحو سطح البحر تعرف ذلك ، فإذا عكست الآية تشعر أنها الآن مقلوبة ، معها جهاز آخر يعرّفُها أين الأعلى وأين الأسفل ، الجهاز الأول يعيّن بُعدها عن سطح البحر ، والجهاز الثاني كيف وضعها ، وهي في الماء ، نحو الأسفل أو نحو الأعلى ، والجهاز الثالث إن أرادت أن تطفو على سطح الماء تطلق الهواء من معدتها ، السمكة قادرة على أن تصنع الهواء من الطعام ، وتملأ به أكياسها الهوائية فتطفو ، فإذا أرادت أن تغوص أطلقت هذا الهواء فغاصت ، شيء عجيب جداً ، وهذا السمك له زعانف للتوجيه ، وزعانف للتوازن ، وزعانف للحركة ، وزعانف عرضية ، وزعانف طويلة ، وزعانف متأرجحة في الخلف ، شيء رائع جداً .
في البحار أنواع من الأسماك عجيبة ، هناك أسماك طبيبة ، يقف أمامها السمك في طابور ، إنها تعيش على الإنتانات في جسم السمك ، وقد أتفق كل أنواع السمك على أن هذه السمكة لا تؤكل ، معها حصانة ، لأنها تقوم بمعالجة القروح التي في حراشف الأسماك ، هذه كلها بحوث علمية ، فالعلماء راقبوها ، ثم ذكروها في مؤلفاتهم ، وصوروها ، وعالم الأسماك لا ينقضي حديثه ، ربنا عز وجل قال :
﴿ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا ﴾
 
4 ـ كلُّ بحر له أسماكه بحسب خصائصه :
 
بالمناسبة الأسماك التي تعيش في المياه العذبة لا يمكن أن تعيش في المياه المالحة ، والأسماك التي تعيش في المياه المالحة لا تعيش في المياه العذبة ، والدليل :
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾
(سورة الفرقان : 53)
 
البرزخ بين البحرين :
 
البرزخ بين كل بحرين حاجز لم تعرف طبيعته ، لكن هذا الحاجز موجود فرضاً ، لأن مياه كل محيط لا تختلط بالبحر الآخر ، فمثلاً البحر الأحمر له كثافة ، و له ملوحة ، وله مكونات خاصة به  ، والبحر العربي له كثافة ، وملوحة ، و مكونات خاصة به ، و قد رؤي هذا في الأقمار الصناعية ، مياه البحر الأحمر لا تختلط بمياه البحر العربي ، أو الهندي ، والعكس صحيح ، هذا البرزخ ، هذه الآية بقي علماء التفسير قروناً في حيرة منها ، كيف جعل الله بين البحرين برزخاً ، هذا البرزخ مجهولة طبيعته ، لكنه مفترض وجوده ، لأن مياه كل بحر لا تختلط بمياه البحر الآخر ، لا من حيث الملوحة ، ولا الكثافة ، ولا المكونات ، هذا شيء واضح ، و ثابت ، الآن إذا ذهب شخص إلى البحر الأحمر يشعر أن الماء خفيف ، أما في المتوسط فالماء ثقيل ، والفرق واضح جداً بين البحرين ، ومع ذلك فالبحران متصلان عند قناة السويس متصلان ، وهذا البحر لا يختلط بهذا البحر ، و هذا من بعض بحوث علماء البحار عن طريق مركبات الفضاء ، الله عز وجل قال :
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19)بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾
(سورة الرحمن : 19 ـ 21)
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾
(سورة الفرقان : 53)
الحجر المحجور هو أن أسماك المياه العذبة لا تنتقل للمياه المالحة ، و أسماك المياه المالحة لا تنتقل للمياه العذبة ، فلو صب نهر عظيم في عرض المحيط ، كالأمازون ، فإنه يستمر سيرهفي البحر مسافة 80 كيلو مترا ، ومع ذلك أسماكه تعيش فيه ، ولا تنتقل إلى المياه المالحة :
﴿ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
بقيت كلمات قليلة :
﴿ وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾
 
5 ـ كلُّ بحر له أسماكه بحسب خصائصه :
 
هذا اللؤلؤ  المحار حيوان له هاتان الصفيحتان العظميتان ، وهو في الداخل حيوان هلامي كيف يدافع عن نفسه ؟ إذا دخل إلى المحار جسم غريب دافع عن نفسه بإفراز مادة كلسية فسفورية ، هذه المادة يفرزها بشكل كروي كي يقضي على هذا الجسم الغريب الذي دخل إلى مملكته ، هذه المادة الكلسية الفسفورية الذي يفرزها المحار على المادة الغريبة هي اللؤلؤة ، وقد أخذ العلماء المحار يفتحونه ، ويضعون فيه حبة رمل ، و يضعون هذه المحارات في صناديق مفتوحة في عرض البحر ، وينقلونها من فصل إلى فصل ، من مكان إلى مكان ، هذه حبة الرمل يفرز حولها المحار مادة كلسية فسفورية يجعلها لؤلؤة ، لكن هذه اللؤلؤة التي وضعتها أنت في المحار حبة رمل بمستواها الفني أقل بكثير من اللؤلؤ الطبيعي ، هذا اسمه لؤلؤ مزروع ، اللؤلؤ الطبيعي ، فلا تجد وسط هذه اللؤلؤة أي شيء ، صفاء ما بعده صفاء ، فربنا عز وجل صمم هذا اللؤلؤ ليكون حلياً للنساء ، وليست قضية عشوائية ، أن هذه الحبات مناسبة للمرأة  ، فحينما خلقها الله عز وجل خلقت كما قال الله عز وجل :
﴿ وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾
 مصممة خصيصاً لتكون حلية للمرأة :
﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ ﴾
 
6 ـ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ فِيهِ
 
 من أعطى هذا الماء قوة تماسك ؟ قوة التماسك في الماء تمنع دخول الأجسام فيه ، هذا ما سمي في علم الفيزياء دافعة أرخميدس .
أمسك أنت وعاء ماء ، ثم ضعه في مستودع ماء ، فقد نصف وزنه ، أو فقد أربعة أخماس وزنه ، معنى ذلك أن الماء يدفعه نحو الأعلى ، لولا هذه الخاصة لما استخدم البحر ليكون أداة اتصال بين القارات ، تعبيد طريق يكلف ألوف الملايين ، أما البحر فهو طرق معبد ، الباخرة حمولتها مليون طن ، وأعظم البواخر تحمل مليون طن ، وتسير في عرض البحر ، و كأنه طريق ممهل .
ربنا عز وجل حينما صمم الماء بهذا الدافع القوي نحو الأعلى ، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة :
﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾
 الاستيراد والتصدير ، ونقل البضائع ، وأنت تحتاج إلى فواكه ، إلى شاي ، إلى سكر ، إلى حاجات تنقلها لك السفن من كل أرجاء الأرض .
﴿ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
 
والحمد لله رب العالمين
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب