سورة سبأ 034 - الدرس (5): تفسير الأيات (15 – 21)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة سبأ 034 - الدرس (5): تفسير الأيات (15 – 21)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - وجوب العمل على فك الأسرى - د. جمال خطاب           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 10 - ولئن متم أو قتلتم - الشيخ ادهم العاسمي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية -436- واجبنا تجاه الأسرى - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 391 - سورة المائدة 008 - 010         

الشيخ/

New Page 1

     سورة سبأ

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة سبأ ـ (الآيات: 15 - 21)

24/06/2012 15:55:00

سورة سبأ (034)
 
الدرس (5)
 
تفسير الآية: (15 ـ 21)
 
 
لفضيلة الأستاذ
 
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
       الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
       أيها الإخوة الأكارم ... مع الدرس الخامس من سورة سبأ ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى في الآية الخامسة عشرة :
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ(15)فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ(16)ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ(17) ﴾
 
القصة القرآنية للمغزى والعبر لا للأحداث والأشخاص :
 
      أيها الإخوة الأكارم ... يجب أن نعلم علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى إذا أورد في قرآنه الكريم قصةً ، فأصحاب القصة ماتوا ، ورحلوا ، وخُتِمَ عملهم ، ولا يعنيهم من قصتهم شيء ، ولكن هذه القِصَص تعنينا نحن بالذات ، هذه القصص تعني قارئ القرآن الحي ، لأن الميت خُتِمَ عمله ، وانقضى أجله ، وتحول إلى مكانةٍ عند الله عزَّ وجل ، إما في جنةٍ يدوم نعيمها أو في نارٍ لا ينفد عذابها ، وربنا سبحانه وتعالى ذكر هذا المعنى فقال :
 
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ
(سورة البقرة : من الآية 141)
      مضوا ، وماتوا ..
 
﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(141) ﴾
(سورة البقرة : من الآية 141)
       فهذه المقدمة أردت من خلالها أن قارئ القرآن إذا قرأ قصةً في القرآن لا ينبغي أن يتوهم أنه يقرأ تاريخاً ، ولا سجلاً لأعمال السابقين ، ليس هذا من شأن القُرآن ، وليس هذا من أهداف القرآن العظيمة ، إنه كتاب هدايةٍ ورشاد ، كتاب إنقاذٍ لهذا الإنسان ، ماذا يعنيني أن قوم سبأ كانوا في بحبوحةٍ ، ثم جاءهم سيل عرم ، إلا أن أستنبط من هذه القصة حقيقةً أكتشف بها سر وجودي .
     إذاً قبل أن نمضي في شرح هذه القصة ، الذي أتمناه على كل قارئ قرآن ، على كل من يحضُر مجالس العلم ، إذا قرأ قصةً عن قومٍ من الأقوام السالفة فلا ينبغي أن يتوهم أنه يقرأ التاريخ ، لا..
 
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾
       فالإنسان الموفَّق في حياته لا يعنيه شيءٌ وقع فيما مضى ، ولا يعنيه أن يبحث في مستقبلٍ بعيد سيصل إليه ، ولا يعنيه أن تُفَتَّتَ جهوده فيمعارف جانبية ، الإنسان الموفق ، العاقل ، الكَيِّس ، الفَطِن ، المفلح ، هو الذي يضع هدفاً عظيماً أمام عينيه ، ويسعى للوصول إليه ، دون أن يلتفت لا إلى معركةٍ وراء ظهره ، ولا إلى خصومةٍ جانبية ، ولا إلى غيبٍ غُيِّبَ عنه ، فإنّ هذا يستهلكه ، وهذا يستهلك طاقاته ، وهذا يبعثر جهوده ، فنحن إذا قرأنا قصة سبأ لا يعنينا قوم سبأ ، ولا كيف كانوا في بحبوحة ، ولكن يعنينا أن نستنبط ، وسوف أؤكد لكم أن قوم سبأ تجدونهم دائماً بين أظهركم ، فيما حولنا .
 
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ﴾
(سورة النحل : من الآية 112)
        في حياتنا أقوام فسقوا ، وفجروا ، وانحرفوا ، وسقطوا في المعاصي والموبقات ، دَمَّرَهُم الله وشتتهم ، وأهلكهم ، وأفقرهم ، وأخافهم ، ليست القصةٍ أن نقرأ تاريخاً ، القصة أن نستنبط حقائق تلقي ضوءاً على حياتنا ، وتكون لنا عبرة وموعظة ، فالله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ﴾
 
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ
 
      في قراءةمساكِنِهِم .
     
1 ـ معنى آية ومدلولها :
 
      معنى آية أي علامة ، دليل ، ما الدليل ؟ من الذي أنزل الأمطار ؟ الله رب العالمين ، من الذي جعل الجفاف فيما مضى مخيفاً ؟ الله رب العالمين ، من الذي أغدق علينا نعمة الأمطار ؟ الله رب العالمين ، من الذي أنبت الزرع ؟ الله رب العالمين ، من الذي أدَرَّ الضرع ؟ الله رب العالمين  .
2 ـ المؤمن يرى المنعِم ، والكافر يرى النعمة :
 
إذاً : حينما ترى بلاداً رخِيَّةً ، سخيةً ، فيها نباتٌ ، فيهاأشجار مثمرة، فيها محاصيل ، فيها خيرات كثيرة ، يجب أن تعلم أن هذا من عند الله عزَّ وجل ، أيضاً حينما تؤوِّل المظاهر الطبيعية تأويلاً مادياً أرضياً فأنت لا تعرف الله ، الفرق كبير بين أهل الشرك والكفر وأهل الإيمان ، أهل الكفر والشرك لا يرون إلا النعمة ، بينما المؤمنون يرون المنعم  .
 
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7) ﴾
(سورة الروم)
       فأهل الدنيا يعلمون دقائق الأمور ، يعلمون من أين تؤكل الكَتِف ؟ يعلمون مباهج الدنيا ومسرتها ، يعلمون دقائق الجمال فيها ، يعلمون كيف يسعدون بها ، هؤلاء يعلمونها ، ولكن غاب عنهم المنعم ، وكفروا بالمنعم ، آمنوا بالنعمة وكفروا بالمنعم ؛ لكن المؤمنين يرون المنعم من خلال النِعَم ، فهؤلاء قوم سبأ حباهم الله بأراضٍ خصبة ، فيها جنانٌ وأشجار ، وفيها ثمراتٌ ، وينابيع ، وفيها أنهار ، في آية أخرى ربنا عزَّ وجل خاطب قوم سبأ من خلال نبيهم فقال :
﴿ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ
(سورة هود : من الآية 84)
3 ـ وفرة النعم استقرار للعباد ، ودفع للأحقاد :
 
       فالعلماء فسروا كلمة : الخير بوفرة المواد ورخص الأسعار ، المواد متوافرة والأسعار معتدلة ، وسيدنا عمر كان إذا قدم عليه الوالي أول سؤالٍ يطرحه عليه : " كيف الأسعار عندكم ؟ " ، فكلما انخفضت الأسعار عاش الناس في بحبوحة ، واتسعت رقعة المستهلكين ، وعَمَّ الرخاء ، وأصبح المال متداولاً بين كل الناس ، أما إذا ارتفعت الأسعار ضاقت دائرة المستهلكين ، وأصبح المال دولةً بين الأغنياء منكم ، وصار المجتمع طبقتين ، طبقةً مسرفةً غارقةً في الترف والنعيم ، وطبقةً فقيرةً لا تلوي على شيء ، عندئذٍ تنشأ المشكلات ، وتنشأ الأحقاد ، وحينما قال الله عزَّ وجل :
 
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
(سورة التوبة : من الآية 103)
       قال العلماء : تطهر الغني من مرض الشُح ، وتطهر الفقير من مرض الحقد ، تطهر المال من تعلق حق الآخرين به .
      إذاً :
 
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ﴾
         أي علامةٌ دالةٌ على عظمة الله عزَّ وجل ، على كرم الله عزَّ وجل ، على الخيرات التي أغدقها الله عليهم ، والإنسان في أية لحظةٍ إذا آتاه الله مالاً ، أو حباه بصحة ، أو أنعم عليه بأهلٍ ، أو مأوى ، في أية لحظةٍ يرد هذا إلى ذكائه ، وإلى خبرته ، وإلى دأبه ، فهو مشركٌ جاهل ، لذلك :
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ﴾
4 ـ الله هو المعطي وهو المانع :
 
     أي دليل على عظمة الله عزَّ وجل ، وحينما دمَّرهم الله بالسيل كان ذلك أيضاً آية على أن ربك بالمرصاد ، ربنا يُعطي ويمنع ، يبسط ويقبض ، يضر وينفع ، يعز ويذل .
      إذاً هذه آية ، حباهم بالخيرات آية ، سلبهم إيَّاها آية ، وكل إنسان في بحبوحة وفي نعمة ليعلم أن الله عزَّ وجل كما تجلَّت قدرته في إغنائه تتجلى أحياناً قدرته في إفقاره ، كما يعطي يأخذ ، وكما يرفع يخفض ، وكما يُعِز يذل ، وكما يضحك يبكي ، يبكيه وهو الرجل ، فأنت في قبضة الله عزَّ وجل ، في أية لحظةٍ الله سبحانه وتعالى يمكن أن يجعل من حياتك جحيماً ، فآية ، الآية حينما يعطي ، الآية حينما يأخذ ، الآية حينما يُعِز ، والآية حينما يذل ، الآية حينما يبسط ، والآية حينما يقبض ، ما هذه الآية ؟ قال :
 
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ ﴾
 
جَنَّتَانِ
      
       الجنة المقصود بها بساتين مليئة بالأشجار المثمرة ، بالمياه العذبة ، بالأزهار الفوَّاحة ، كلكم يعلم جمال الطبيعة حينما تكون متألقةً ، أرضًا خصبةٌ ، ماء عذبا ، جنات وعيونا ، زروعا ومقاما كريما ، هذه كلُّها مما تسعد الإنسان ، عزَّ وجل قال:
 
﴿ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾
(سورة النمل : من الآية 60 )
       فأحياناً الحدائق والبساتين ، والأرض الخضراء المتألِّقة ، هذه تبعث البهجة في النفس ، لذلك هناك أناسٌ يحبون النباتات ، النبات مخلوق جميل صافٍ يبعث في النفس الراحة ، قال :
 
﴿ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ﴾
    يبدو أن الأنهار تخترق هذه الجبال ، عن يمينٍ جناتٍ وارفة ،  الظلال ، يانعة الثمار ، شامخة الفروع ، بينها الأنهار تجري ، وعن شمالٍ أيضاً جناتٍ مثلها .
 
﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ ﴾
 
كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ
 
الرزقُ رزقُ اللهِ :
 
    الرزق أضيف إلى الله عزَّ وجل ، هذا رزق الله عزَّ وجل .
    مرةً ثانية : حينما يوضع الطعام على المائدة ، قد يقول صاحب البيت : هذا الطعام اشتريته من محل كذا ، وهذا الطعام اخترته من مكان كذا ، حينما يرى أن هذا الطعام جلبه بماله الذي حصَّله بتعبه وجده فقد وقع في الشرك ، الطعام الذي يوضع على المائدة هو رزق الله عزَّ وجل .
﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ ﴾
      لذلك الإنسان دائماً يتأدَّب مع الله ، إذا أكل يسمِّي ، لماذا يسمي الله ؟ إشعاراً بأن هذا الطعام هو مِن نعم الله عزَّ وجل ، وتذكيراً بتطبيق السنة في تناول الطعام والشراب .
 
﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾
 
وَاشْكُرُوا لَهُ
 
     كما قلت في دروسٍ سابقة : الله عزَّ وجل سخر للإنسان الكون تسخير تعريف وتسخير تكريم ، ردُّ الفعل على تسخير التكريم هو أن تشكره شكراً حقيقياً ، وكيف تشكره ؟
 
﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾
( سورة سبأ : من الآية 13 )
كيف تشكر الله عزوجل ؟
 
      إذا استخدمت عينك في النظر في آلاء الله فقد شكرت الله على نعمة هذه العين ، أدق معاني الشكر أن تستخدم ما أعطاك الله إياه فيما أوجبه عليك ، العين تنظر بها إلى آيات الله الدالة على عظمته ، والأذن تستمع بها إلى الحق يُتلى عليك ، واللسان تذكر الله به ، واليد تُغْدِقُ بها على الآخرين مما أفاء الله عليك ، والقدم تتقدم بها إلى بيوت الله عزَّ وجل ، إذا استخدمت أعضاءك ، وجوارحك ، وحواسَّك ، ووقتك ، وفراغك ، وصحتك ، وقوتك ، ومالك ، وجاهك ، وخبرتك في الحق ، وفيما يرضي الله عزَّ وجل فقد شكرت المُنعم ، هذا معنى ..
﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾
     يجب أن تستخدم نعم الله عزَّ وجل فيما أوجب الله عليك .
      
﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾
 
كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ
 
1 ـ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ
 
       معنىبلدةٌ طيبةٌ أي طيبةٌ تربتها ، طيبةٌ زروعها ، طيبٌ ماؤها ، طيبٌ هواؤها ، بلد طيب ، ويقابل البلدة الطيبة بلدةٌ ملوثة ، هواؤها ملوث ، مياهها ملوثة ، العلاقات الاجتماعية ملوثة ، أخلاق أهلها ملوثة ، تكاد تكون مشكلة التلوث ، أكبر مشكلةٍ تعاني منها المجتمعات المعاصرة ، بلد ملوث ، نسب التلوث عالية جداً ، صارت نسب وبائية ، الضجيج تلوث ، لا تعرف قيمة السكينة والراحة إلا إذا غادرت المدينة ، تشعر بمعنى السكينة ، معنى الهدوء ، معنى راحة الأعصاب ، تلوث من حيث الضجيج ، تلوث في الهواء ، ترى سحابةً قاتمةً فوق المُدن الكبرى ، هذه السحابة كلها غاز فحم ، أمراض كثيرة تسببها هذه الأجواء الملوثة ، المياه ملوثة ، قد نسقي خضراواتنا بمياهٍ ملوثة ، قد تتسرب بعض المواد السامة إلى أوراق النبات ، ونطعمها للحيوانات ، ونأكل لحومها .
       إذاً : الله عزَّ وجل عاقب أهل الدنيا في آخر عصورهم بالتلوث ، تلوثهم الأخلاقي سبَّبَ تلوث بيئتهم ، وهناك بلدةٌ طيبةٌ ، بلد طيب ، ترابها طيب ، مياهها عذبة ، هواؤها نقي ، ثمارها طيبة يانعة ، الآن تجد فاكهة ذات مظهر فيزيائي عالٍ جداً ، حجم كبير ، لون متألق ، ولكن لا طعم لها ، أما الفاكهة التي صممها الله عزَّ وجل ، والتي تنبت بإذن ربها لها طعمٌ طيبٌ أخَّاذ ، بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور .
 
2 ـ وَرَبٌّ غَفُورٌ
 
    إن الإنسان إذا وقع في خطأٍ غير مقصود فإن الله غفورٌ رحيم ، إذا وقع في مشكلةٍ ، واستغفر الله عزَّ وجل يجد الله تواباً رحيماً ، فالله عزَّ وجل جعل المغفرة صمام أمان ، لو فرضنا الله عزَّ وجل لم يكن غفوراً ، لا يغفر ، إذا وقع الإنسان في ذنب انتهى ، مع الإنسان لا يرحم ، فقد تخالف مادةً في قانون فلا يرحمك أحد ، يقول لك : فلان انتهى بسبب غلطة ، تكلَّم كلمة فانتهى بها ، خالف بعض القواعد فانتهى بها ، لكن ربنا عزَّ جل واسع المغفرة ، لو وقعت في خطأٍ فباب التوبة مفتوح ، وباب المغفرة مفتوح .
     إذاً :
﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾
       وهذا من نعم الله عزَّ وجل .
 
3 ـ اللهُ يَسترضى :
 
       بالمناسبة ربنا عزَّ وجل يُسْتَرْضَى ، أحياناً لا تستطيع أن تسترضي إنساناً ، ترى أن الطريق مغلق ، والباب موصد ، قلبٌ قاسٍ كالحجر الأصم ، لكن الله جل في علاه يُسترضى ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب ، ربنا حل وعلا يسترضى بالصدقة ، وباكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطَّاها ، فالإنسان إذا وقع في مشكلة ، لاحت له شبح مصيبة ، خاف من مرضٍ عُضال ، شعر أن علاقاته سيئة مع مَن هم فوقه ، وأن هذا بقضاء الله وقدره ، قد يسترضي الله عزَّ وجل بعملٍ صالحٍ ..
 
﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾
 
معنى : مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
 
       من بعض تفسيرات هذه الآية :
﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ﴾
    هو يظن أن الله لا ينصره ، وأن الله لن يوفقه ، ولن يعطيه شيئاً ، ولن يكرمه ، ولن يزوجه ، ولن يؤمِّن له عملاً يقتات منه ، وأن الدنيا كلها ضده ، وأن الأمور تجري بعكس مراده ، من كان يظن هذا الظن قال :
 
﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ﴾
       يعمل عملاً صالحاً :
﴿ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ ﴾
    كل منكر ، ثم لينظر ..
 
﴿ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾
(سورة الحج : من الآية 1ه )
      كيف أن الأمور تتبدل ، الأمور تتيسر ، العقبات تزول ، الأهداف تتحقق ، الله عزَّ وجل يوفق ، يكافئ ، يُلْهِم ، إذاً هذا معنى قول الله عزَّ وجل :
 
﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾
        الله يُسترضى لكن الإنسان لا يسترضى ، يسترضى بالصدقة ، بادروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطَّاها ، يسترضى بالعمل الصالح ، يُسترضى بالحسنات ، يسترضى بخدمة الخلق يسترضى بإنفاق الأموال .
       الآن دخلنا في عقدة القصة ، العقدة:
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ
  هذه مقدمة القصة ، أما العقدة:
﴿ فَأَعْرَضُوا ﴾
 
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ
 
1 ـ فَأَعْرَضُوا
 
       أعرضوا عن الله ، جعلوا كتاب الله وراء ظهورهم ، لم يعبؤوا بأمر الله ، لم يعبؤوا بوعده ، قال :
﴿ فَأَعْرَضُوا ﴾
      أعرضوا عن ذكرالله ، أعرضوا عن الحق ، أعرضوا عن أوامر الله و نواهيه ، ما بالوا بها ، المؤمن إذا وقع في مخالفةٍ يرى أن جبلاً جاثماً على صدره ؛ لكن الفاسق والمنافق إذا وقع في مخالفةٍ كأنها ذبابةٌ أبعدها عن وجهه    .
      ويا أيها الإخوة الأكارم ... إن كل المشكلات التي نعاني منها هي في حقيقتها أعراضٌ لمرض واحد ، هي أعراض الإعراض ، الإنسان مقبل أو مدبر ، متصل ، معرض ، محسن مسيء ، مؤمن كافر ، اختر لنفسك أحدهما ، فهؤلاء أعرضوا ؛ تركوا دينهم ، وتركوا طاعة ربهم ، وتركوا أوامر نبيهم ، وتركوا شكر مولاهم ، وانغمسوا في حمأة الدنيا ، وانغمسوا في حظوظهم الخسيسة ، وشهواتهم المنحطة ، ومالوا إلى الدنيا ، ولم يذكروا ربهم عزَّ وجل فأعرضوا .
2 ـ كل بلدة أعرضت يكون مصيرها مصير سبأ :
 
        فلذلك أية بلدةٍ حتى في هذا العصر ، إذا كانت في بحبوحة ؛ دخل كبير ، تجارة حرة ، أموال طائلة ، بيوت فخمة ، مركبات فارهة ، مُتَنَزَّهات جميلةجداً ، طعام طيِّب ، طمأنينة ، راحة ، هذه البلدة إذا أعرضت عن الله عزَّ وجل ، وانغمست في الشهوات والمعاصي ، قد يأتيها البلاء من حيث لا تدري ، قد يأتيها البلاء دُفعةً واحدة ، فجأة ، قال :
﴿ فَأَعْرَضُوا ﴾
        والله عزَّ وجل كل قومٍ يأتيهم ببلاءٍ من نوعٍ خاص ، تارةً يقول لك : زلزال ، تارةً ، فيضان ، تارةً غزو مفاجئ ، وهذه كلها علاجات إلهية ، أما قوم سبأ كان علاجهم عند الله عزَّ وجل سَدٌ عظيم ، هذا السد جدارٌ عظيم بين جبلين يحجز الماء ، ويستخدمون هذا الماء طوال العام ، هذا السد أصابه عطبٌ ، فغمرهم وغمر بيوتهم ومساكنهم ، وجرف مزروعاتهم وجعلهم مِزَقَاً لا يلوون على شيءٍ .
 
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾
 
3 ـ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
 
 أيها الإخوة دققوا :
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾
        لكن ، إذا أرسل على قومٍ زلزالٌ ، فكأن منطوق الخبر : أعرضوا ، فأرسلنا عليهم زلزالاً ، أعرضوا فأرسلنا عليهم فيضاناً ، أعرضوا ففجرنا عليهم بركاناً ، أعرضوا فبلوناهم ببأس بعضهم بعضاً ، ألم يقل الله عزَّ وجل :
 
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾
(سورة الأنعام : من الآية 65 )
       هذه الصواعق أو الصواريخ ..
 
﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾
(سورة الأنعام : من الآية 65)
       الزلازل والانفجارات ..
﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
(سورة الأنعام : من الآية 65)
       هذا الغزو ، فإما من تحت أرجلنا ، وإما من فوقنا ، وإما من جيراننا .
 
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾
   السيل العَرِم ، السيل الخطير ، تقول : صبيٌ عارم أي طائش شرس  .
 
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾
      فشتتهم ، ودمر بيوتهم ، مزارعهم ، أشجارهم ، مزروعاتهم ، جعلهم يهيمون على وجوههم في الآفاق ، أين جنَّاتهم ؟ أين بيوتهم ؟ أين استقرارهم ؟ أين حظوظهم ؟ أين ثرواتهم الطائلة ؟ أين محاصيلهم الغالية ؟ أين هذا كله ؟ .
 
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾
       ولكن دعنا من قوم سبأ ولنلتفت لأنفسنا ، إذا أعرض الإنسان يسوق الله له بعض المصائب ، أعرض فأرسل الله عليه مرضاً ، أو حادثاً ، أو فقراً ، أو فقد حريةٍ ، أو إهانةً ، أو بلاءً ، أو مرضاً .
 
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾
 
4 ـ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ
 
    قال : بجنتيهم جنتين .. الجنتان التاليتان ليستا جنتين ؛ ولكنهما سميتا جنتين للمشاكلة .. أي :
﴿ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾
        طعم مُر ، أحياناً بعض الخيار تجده مر الطعم ، بعض الفواكه مُرَّة ، فما قولك إذا كانت كل هذه الثمرات مرة ؟ .
﴿ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾
       هذه التفاحة حينما تأكلها ، هل انتبهت إلى الله عزَّ وجل كيف وفَّقَ بين أن قوامها يناسب أسنانك ، وبين أن شكلها يُمتع عينيك ، وبين أن رائحتها تمتع جهاز الشمعندك ، وبين أن طعمها عذبٌ حلو المذاق ، وبين أن فيها مواد مفيدة لك ، كل هذا مجموعٌ في آنٍ واحد ، المواد مفيدة ، الطعم طيِّب ، الرائحة عَطِرَة ، الشكل جذَّاب ، القوام ليِّن ، الله عزَّ وجل قادر أن يجعل الطعام المفيد بطعمٍ مُر ، أو الطعم الحلو بمادةٍ مؤذية ، أو الطعم الحلو والمادة نافعة لكن القوام صخري ، يصعب أن تأكله ، فكيف وفق الله عزَّ وجل بين القوام والطعم والرائحة والمواد النافعة ، واللون والشكل والحجم كله مناسب ؟
       انظر إلى الفاكهة ، حجمها ، وطريقة تغليفها ، الدُرَاق له طريقة ، التفاح له طريقة ، البطيخ لها طريقة ، كل فاكهة لها طريقةٌ في التغليف ، ولها طريقةٌ في قطفها ، ولها حجمٌ مناسب ، ولها شكلٌ مناسب ، ولها طعمٌ مناسب ، ولها لونٌ مناسب ، ولها قوام مناسب ، وفيها مكونات غذائية مناسبة لهذا الإنسان ، فربنا عزَّ وجل أيضاً من آياته الدالة على عظمته جعل طعم الفاكهة ..
﴿ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾
 طعم مر ، تمجُّه الأفواه ..
﴿ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾
 
5 ـ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ
 
      فنبات السدر له بعض الثمار قليلةٌ جداً ، وكلكم يعلم أنه إذا قل الثمر ارتفع الثمن ، الكيلو بسبعين ، معناها أن الإنتاج قليل ، فإذا قل الثمن ، ما معنى قولنا الله هو المُسَعِّر ؟ أي إذا جعل هذه الخيرات كثيرةرخص سعرها ، فإذا قلت ارتفع ثمنها ، فالسدر قليل ، والأثل نبات لا جدوى منه ، نبات رعوي ، والسدر بعضه بري وبعضه غير بري ، فغير البري مفيد ، لكن نباته قليل ، قال :
﴿ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾
     الآن دققوا في هذه التعقيب ، قال:
 
﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا ﴾
 
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا
 
      هذا جزاء كفرهم ، فالفسق له جزاء ، الكفر له جزاء ، الشرك له جزاء ، النفاق له جزاء ، الانحراف عن طريق الحق له جزاء ، عدم الائتمار بأمر الله له جزاء ، عدم الانتهاء عما عنه نهى وأمر له جزاء ، الاختلاط له جزاء ، تحديق النظر في النساء له جزاء ، الغش في البيع له جزاء ، المماطلة في تسليم البضاعة ، وقد قبضت الثمن كاملاً له جزاء ، التدليس له جزاء ، التعدِّي على حقوق الآخرين له جزاء ، الإيهام له جزاء ، الغَبن له جزاء .
 
﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾
 
وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور
 
1 ـ كيف بعامِل الله الكافر والمؤمن ؟
 
       ألم تهزكم هذه الآية ؟ أي يا عبادي هل رأيتموني دمَّرت إلا كافراً ؟ إنسان مستقيم ، طاهر ، ماله حلال ، محب لله عزَّ وجل ، يخدم الناس ليقربهم إلى الله ، كيف أعامله ؟ يجب أن يؤمن أن الله عزَّ وجل حينما قال :
 
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾
(سورة الجاثية )
       هل تظن أن الله سيعامل المؤمن ، المستقيم ، الطاهر ، الورع ، النقي ، التقي ، الذي يخاف الله ، كل حياته نظيفة ، كل علاقاته نظيفة ، كل نشاطه هادف ، كل أعماله طيبة ، كل إنفاقه بالحق ، كل كسب ماله بالحق ، هذا يعامل كما يعامل فاسقٌ ، فاجر ، ماله حرام ، إنفاقه حرام ، منحرف العقيدة ، أهكذا تظن الله عزَّ وجل ؟ هذا سوء ظنٍ بالله عزَّ وجل ، لذلك أكبر ذنبٍ تفعله أن تقول على الله ما لا تعلم ، أو أن تسئ الظن بالله .
 
﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾
      الحقيقة لكي نتوازن ، الدنيا وحدها لا تكفي ، الله عزَّ وجل أبى أن يجعلها ثواباً للطائعين وعقاباً للمنحرفين ، لكن العبرة الأمور بخواتيمها ، الأمور متعلِّقة فيما بعد الموت ، الأمور متعلقة بالخلود في جنةٍ أو في نارٍ أبديتين ، لذلك :
 
﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾
        معناها الشكور له معاملة خاصة ، الشكور له عند الله مكانةٌ علية ، الشكور محفوظ ، الشكور مكرَّم ، الشكور منصور ، الشكور مقرَّب ، الشكور موفَّق ، الشكور معتنى به ..
 
﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾
 
2 ـ كن شكوراً ولا تكن كفوراً :
 
      إذاً : كن شكوراً ولا تكن كفوراً ، إن كنت شكوراً يجزك الله ولا تجازى ، المؤمن يجزيه الله عزَّ وجل ولا يجازى ، هؤلاء القوم ، قال :
 
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ﴾
 
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً
 
1 ـ حظوظ الدنيا حيادية بحسب الاستعمال :
 
      هذه الآية دقيقة جداً ، فبلادهم الشاسعة من نعم الله عليهم التي ما عرفوا قيمتها ، ودائماً وأبداً اسمعوا هذه المقولة : إذا جاءك المال ، والصحة ، وإذا جاءك الولد ، أنعمةٌ ما جاءك أو نقمة ؟ الحقيقة لا نعمة ولا نقمة ، ولكن ابتلاء ، إذا أنفقته فيما يرضي الله أصبح نعمةً ، أما إذا أنفقته فيما يغضب الله أصبح نقمة ، فالمال نقمة إذا أنفقته على الملاهي، أنفقته سرفاً وترفاً وكبرياءً وغطرسةً ، أما إذا أنفقه للفقراء والمساكين والمحتاجين ، وفي سبيل الحق ، ولإعلاء كلمة الحق ، انقلب المال إلى نعمة عظيمة .
       فالصحة ، إذا استخدمت هذه الصحة في المخالفات والمعاصي ، أصبحت هذه الصحة نقمةً عليك ، والمرض عندئذٍ أفضل منها ، أما إذا أنفقتها في طاعة الله ، وفي طلب العلم ، وفي خدمة الخلق ، وفي معرفة الله ، هذه الصحة نعمة ، فأنا لا أقول أبداً لشيءٍ من حظوظ الدنيا : نعمةٌ ولا نقمة ، أقول : هو ابتلاء ، يصبح نعمةً إذا أنفقته في طاعة الله ، ويصبح نقمةً إذا أنفقته في معصية الله .
       كل شيء حيادي ، هذه المركبة حيادية ، نعمة ؟ والله إذا تنقَّلت بها من بيتك إلى المسجد  ، واستخدمتها في طاعة الله ، وحللت بعض مشكلات الناس ، ولبَّيْتَ بها حاجة المستغيث في الليل ، وأدخلت على قلب أهلك السرورأحياناً بها ، فهذه نعمة ، فإذا استخدمتها لأمورٍ أخرى يستحيا من ذكرها هذه نقمة .
       أحياناً الله عزَّ وجل يهب الإنسان شكلاً جميلاً ، فإذا كلما نظر في المرآة قال : الحمد لله  ، يا رب كما حَسَّنْتَ خَلقي فحسن خُلقي ، وغض بصره عن محارم الله ، وعزل أذنه عما يغضب الله عزَّ وجل ، فهذا الشكل الجميل من نعم الله ؛ لكن إذا أغوى به النساء ، وجال في أسواقٍ تكثر فيها النساء ، ووزع البسمات هنا وهناك ، هذا الشكل الجميل صار نقمة ، أي شيءٍ موقوفٌ على طبيعة استهلاكه ، إما أن يغدو نعمةً ، وإما أن يغدو نقمةً ، فربنا عزَّ وجل قال :
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ﴾
 
2 ـ اتصال البنيان نعمة :
 
     بعض البلدان الراقية بمقياس العصر ، راقية ليس عند الله ، راقية بمقياس العصر ، بمقياس الحضارة ، اتصل بنيانها ، كل بضعة أمتار فيلا ، وفيها ماء وكهرباء ، وحدائق ومحلات تجارية ، وخدمات عامة ، لا تحس بوحشة أبداً ، أينما تحركت بالهواتف والكهرباء والمطاعم والخدمات الراقية ، فالعمران حينما يتصل يَعُمّ الأمن ، قطع طريق في الليل موحش  لا توجد نجدة ، لا توجد خدمات ، لا يوجد مراكز راحة ، شيء متعب ، فربنا عزَّ وجل أشار إلى نعمةٍ نَعِمَ بها هؤلاء قوم سبأ ، قال :
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ﴾
      لا تغيب عن العين علامات هذه القرى .
      مثلاً : من باب التقريب من مدينة مضايا إلى بقين ، من بقين لحاليا ، من حاليا للجرجانية ، من الجرجانية للزبداني ، وكله بنيان متصل ، وفي البلدان المجاورة البنيان مُتَّصل ، لا توجد وحشة دائماً ، الماء ، والكهرباء ، والخطوط ، والهواتف ، والطرق المعبدة ، والمحلات التجارية ، والبريد والبرق ، كل شيء موجود ، هذا معنى الآية الكريمة :
      
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ﴾
 
3 ـ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ
 
     المسافر لا يحتاج إلى زاد ، إذا تناول طعاما الصباح في بيته ، تناول طعام الظهيرة في القرية التي تليها ، وطعام العشاء في قرية ثانية ، ونام في قرية ثالثة ، أينما تحرك القرى كلها عامرة ، والطعام متوافر ، والطرق ظلها ظليل ، هذه :
 
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ﴾
   هذه من دلائل عظمة الله عزَّ وجل ، أكرمهم ، وأمدهم بهذه الأمطار والبساتين ، والقرى الظاهرة ، قال :
﴿ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَسِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾
 
4 ـ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ
 
     نعمة الأمن ، أحياناً الإنسان يخاف أن يسافر في الليل ، يخاف أن يترك مركبته في مكان فارغ حتى لا تسرق .
 
﴿ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَسِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا ﴾
   هنا ..
﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾
 
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا
 
       الحقيقة هل من المعقول أن يقولوا هذا الكلام ؟! أيعقل أن يكون قومٌ في بحبوحةٍ ، وفي غنى ، وفي عمار متصل ، وفي خدمات ، وفي أمطار غزيرة ، وفي بساتين ، وأن يقولوا بألسنتهم :
﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾
 
1 ـ لسان حالهم : رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا
       قال : لا ، فهذا لسان حالهم ، وليس هذا لسان قالِهم ، حينما عصوا ربهم فكأنهم ينتظرون من الله أن يشتتوا ، وأن يمزَّقوا ، وأن يدَمَّروا ، إذاً الآن استبدلوا ، إذا كنت في بحبوحة ؛ بيت ، ودخل ، ومكانة ، وأردت أن تنظر إلى غير ما أحل لك ، أردت أن تعتدي على أعراض الآخرين ، أردت أن تأكل أموالهم بالباطل ، أردت أن تفعل شيئا لا يرضي الله  فكأنك تقول : يا رب دمرني ، أنا أستحق الدمار ، يا رب أتلف مالي ، يا رب أذهب صحتي ، يا رب شتت شملي ، فالعاصي كأنه يقول هذا ، أروع ما في التفسير ، أنهم حينما قالوا :
 
﴿ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾
       قال : ليس هذا قول لسانهم ؛ ولكن هذا لسان حالهم ، أي أن كل إنسان يعصي الله كأنه يخاطب الله ويقول : يا رب دمرني ، يا رب أزهق مالي ، يا رب شتت شملي ، يا رب لا توفقني ، يا رب أرسل لي المصائب .
 
﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾
 
2 ـ وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ
   
العاصي ظالم لنفسه :
 
     الإنسان إذا عصى الله عزَّ وجل يظلم نفسه ، فما من ظلمٍ أشد من ظلم النفس .
 
﴿ وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾
    ربنا عزَّ وجل لخَّص ما فعله بهم ، قال:
 
﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
 
قصة سبأ صارت قصة لها عبرة : فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ
 
       صاروا قصة ، أحياناً يقول : فلان أكل من مال حرام  ، وآخر حلف يمين غموس ، خرج من عند القاضي ، بعد مترين وقع مشلولاً ، بعد يومين مات ، كان فلان ملء السمع والبصر ، له قيمة ، وكان فلان مرهوب الجانب ، فإذا هو بعد يومين أصبح قصة ، صار حديثاً ، لذلك بعض الأدعية التي قرأتها:
" يا رب لا تجعلني عبرةً لأحدٍ من خلقك " .
     ألا أكون قصة يتعظ الناس بها ، يقولون : فلان أكل مالاً حراماً فدمره الله ، فلان اعتدى على أعراض الناس ففضح في عقر داره ، جاءت الشرطة إلى بيته ، وزوجته داعرة ، أخطر شيء في الإنسان أن يصير هو نفسه قصة ، لذلك ربنا عزَّ وجل قال :
 
﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
      الأقوام السابقة أصبحت أحاديث ، وآثارها تخبرك عنها ، آثار تدمر ، آثار الأنباط ، هنا التدمريون ، وهناك قوم عاد ، وثمود ، وقوم تُبَّع.
 
﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
      لذلك الدعاء .
"يا رب لا تجعلني عبرةً لأحدٍ من خلقك " .
       صار حديثاً ، الآن كل إنسان إذا زلت قدمه ، أو فضحت ابنته بعدما أهمل تربيتها ، فهربت مع شخص فرضاً ، وهذا الشخص فاسق فاجر ، دلَّها على عمل ساقط ، صارت قصته تروى في المجالس عند الأقرباء .
       فالإنسان يأخذ حيطته ، ويضبط أموره ، ويستعين بربه ، ويطبق شرع الله عزَّ وجل ، حتى لا يكون عبرة وموعظة ، ولكن قصته عطرة ، تتعطر بها المجالس ، فلان ما شاء الله ، استقام على أمر الله فأكرمه الله ووفقه الله ، ورزقه زوجةً صالحةً وأولاداً أبراراً ، فالإنسان يجهد أن يكون حديثه عطراً بين الناس بطاعته لله ، أما إذا عصى الله عزَّ وجل يصبح حديثه قصةً يُتَّعَظُ بها في المجالس .
 
﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾
 
وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
 
دمروا ، وشتتوا ، وتفرَّقوا ، وتشعَّبوا ، وتشرذموا  .
 
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾
 إذاً حينما قالوا :
﴿ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
       ليس هذا قول ألسنتهم ، هذا لسان حالهم ، أي معاصيهم ، كأنهم بمعاصيهم يقولون : ربنا مَزِّقنا ، ربنا شرِّدنا ، ربنا أذهب مالنا ، وكل إنسان يعصي الله وهوفي بحبوحة ، كأنه يقول : يا رب دمرني ، يا رب أزهق روحي ، يا رب افعل بي كذا وكذا ، هذا لسان الحال  .
 
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
 
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
 
1 ـ إبليس عدو المؤمنين اللدود :
         عدوك الّلدود وهو إبليس ، أنت إما أن تخيِّب ظنه وإما أن تصدق ظنه ، فإذا أطعت الله عزَّ وجل ، واستقمت على أمره ، وأنفقت مالك في سبيله فقد خيَّبت ظن إبليس ، والمؤمن دائماً يخيِّب ظن إبليس ، أما حينما ينساق الإنسان مع شهواته ، وحينما يغويه الشيطان ، وحينما يستسلم له ، وحينما يأكل أموال الناس بالباطل ، وحينما يعتدي على أعراض الآخرين ، وحينما يستعلي ، لقد صدق عليه إبليس ظنه.
 
2 ـ احذرْ أن يصدق عليك إبليس ظنه
 
       فاحذر أيها الأخ الكريم أن يصدق عليك إبليس ظنه ، خيِّب ظن إبليس بطاعة الله عزَّ وجل ، اجعله يخسأ ، اجعله يخزى ، إذا استفزك إنسان ، إما أن تغضب وتثور ، وإما أن تكون حليماً ، إذا غضبت صدقت ظن إبليس ، فإذا كنت حليماً خيبت ظنه ، دعيت إلى عملٍ طيب ، إما أن تصدق ظن إبليس فتبخل ، وإما أن تخيب ظنه فتعطي ، أنت دائماً بين المَوقفين ، قوم سبأ :
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾
       ظن بهم المعصية فعصوا ربهم ، ظن بهم الفجور ففجروا ، ظن بهم الكفر فكفروا ، ظن بهم الكبر فاستكبروا  ..
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾
      مرةً ثانية : هؤلاء الذين تحدَّث الله عنهم ، ماتوا منذ آلاف السنين ، ماتوا وأصبحوا أحاديث ، وانطفأ ذكرهم ، وانقضى أجلهم ، وخُتِمَ عملهم ، وهم يلقون مصيرهم ، نحن دائماً المعنيون في كل هذه القصص، يجب أن نستنبط منها ، حقائق ، أنك إذا عصيت الله عزَّ وجل كأنك تطالبه أن يدمرك .
 
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
 
3 ـ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
 
       هؤلاء المؤمنون خيَّبوا ظن إبليس ، يا الله .
      
﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾
 
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ
 
الشيطان دعاك وأنت استجبت :
 
       الإنسان إذا عصى الله ولعن إبليس فقد أخطأ ، يجب أن يلعن نفسه، إبليس ليس له علاقة .
        كنت أضرب مثلاً ، وذكرته كثيراً : إنسان يرتدي ثياباً جميلة جداً بيضاء في الصيف ، متعطر متأنِّق ، فرأى حفرةً كلها مياهٌ آسنة سوداء ، فنزل فيها ، وجاء للمخفر يدّعي على رجل ، قال له : فلان هو السبب ، فجاء المحقق قال له : هو دفعك إلى هذه الحفرة ؟ قال : لا والله ما دفعني ، قال : أمسكك ورماك فيها ؟ قال: لا والله ، قال : شهر عليك السلاح ، وقال لك : انزل فيها ؟ قال : لا والله ، ولكنه قال لي : انزل فنزلت ، أليس هذا مجنوناً ؟ هكذا يفعل إبليس ، لا يملك إلا أن يوسوس فقط ، فمن استجاب له فقد ضل سواء السبيل .
 
﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾
أبداً ..
 
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ
(سورة إبراهيم : من الآية 22)
      
﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ﴾
 
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
 
    ابتلاء .
﴿ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾
كل شيء مُسَجَّل ، كل شيء مكتوب ، كل شيء محاسب عنه ..
 
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾
(سورة الحجر )
       وفي درسٍ قادمٍ إن شاء الله نتابع تفسير هذه السورة الكريمة.
 
 
والحمد لله رب العالمين
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب