سورة النساء 004 - الدرس (57): تفسير الآيات (127 - 130) الاستفتاء والعدل

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة النساء 004 - الدرس (57): تفسير الآيات (127 - 130) الاستفتاء والعدل

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - وجوب العمل على فك الأسرى - د. جمال خطاب           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 10 - ولئن متم أو قتلتم - الشيخ ادهم العاسمي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية -436- واجبنا تجاه الأسرى - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 391 - سورة المائدة 008 - 010         

الشيخ/

New Page 1

     سورة النساء

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة النساء - تفسير الآية: (127 - 130) - الاستفتاء والعدل

21/03/2011 04:06:00

سورة النساء (004)
الدرس (57)
تفسير الآيات: (127-130)
الاستفتاء والعدل
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
إذا تعرف الإنسان إلى الله يتفانى في طاعته ويبحث عن أمره ونهيه :
 
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع والخمسين من دروس سورة النساء ومع الآية السابعة والعشرين بعد المئة وهي قوله تعالى:
﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً ﴾
أيها الأخوة، الحقيقة الأولى من هذه الآية: أنه إذا تعرفت بالله تشعر بدافع كبير أن تبحث عن أمره ونهيه، وهذا منطلق هذه الآية، من هذا الذي يسأل؟ ما حكم الشرع في هذا الموضوع؟ ما الفتوى في هذا الموضوع؟ ماذا ينبغي أن أفعل هل هو حرام أم حلال؟ هل يرضي الله أم لا؟ هذا الإنسان بعد أن عرف الله عز وجل نوعاً من المعرفة يندفع قطعاً إلى التقرب إليه بالائتمار بأمره واجتناب نهيه، وما لم تكن هذه المعرفة فالإنسان لا يعبأ أكان دخله حراماً أو حلالاً، أكان يرضي الله أو لا يرضيه، من الذي يعبأ بمراد الله منه؟ هو الذي آمن بالله، لذلك أنت حينما تؤمن تسأل، والسؤال علامة طيبة، أنك تخاف أن تعصي الله أو تغضبه، أو أن لا يأتي عملك مطابق لمنهج الله، منطلق هذه الآية أن الإنسان إذا تعرف إلى الله تفانى في طاعته، وإن لم يتعرف إليه تفنن في معصيته.
 
الفرق بين السؤال والاستفتاء :
 
الصحابة الكرام بعد أن رباهم النبي عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة ثلاثة عشر عاماً يعرِّفهم بخالق السماوات والأرض ويُعرِّفهم بأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، الآن بدءوا يسألون!
 ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾
[ سورة البقرة: 219 ]
﴿ ماذا ينفقون قل العفو﴾
[ سورة البقرة:219]
﴿ يسألونك عن المحيض قل هو أذى﴾
[ سورة البقرة: 222]
مرحلة السؤال مرحلة طيبة، مرحلة أن هذا الإنسان بدأ يعرف الله ويفكر في التقرب منه، وبدأ يسأل عن أمره وحكمه الشرعي، والذي يرضيه والذي لا يرضيه، والذي يسخطه والذي لا يسخطه.
 
﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ﴾
لكن العلماء فرقوا بين السؤال والاستفتاء، السؤال أن تسأل عن مجهول، لكن الاستفتاء الحكم معروف فيه، لكن هذه الحالة التي أنا فيها أي حكم يناسبها؟ الاستفتاء يتجه لتطابق الحكم مع الواقعة، هل هذا الدخل شرعي أم ربوي؟ حكم البيع والشراء معروف وثابت، وحكم الربا حرام، أنا إن اشتريت جزءاً من بيت هل لي أن أتقاضى أجرة من هذا الجزء؟ الربا حكمه معلوم، حرام قطعاً، والآجار حكمه معلوم حلال قطعاً، أنا حينما أسهم مع إنسان في شراء بيت هل لي أن أتقاضى أجراً عن حصتي في هذا البيت؟ إن ضمنت المبلغ الذي ساهمت فيه فالأجرة ربا! دفعت معه مليون وضمن لك في أية لحظة تريد يعطيك المليون، وطلبت على هذا المبلغ أو الحصة أجراً هذه ربا، أما إن لم يضمن لك المبلغ بعد حين بعد عام بعد عامين قيّم البيت هبط سعره أو ارتفع الذي أعنته على شراء هذا البيت إن لم يضمن لك المبلغ لك أن تتقاضى أجرة، فالاستفتاء حكم البيع والشراء معروف، وحكم الآجار والربا معروف، أما أن أشتري مع إنسان بيت هل لي أن أتقاضى أجراً على حصتي؟ هل ينطبق عليها حكم الإيجار أم حكم الربا؟ فالسؤال عن مجهول، أما الاستفتاء عن معلوم.
 
معنى الاستفتاء :
 
الاستفتاء مدى علاقة الأحكام الشرعية بهذه الحالة، هذا هو الاستفتاء.
 
﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ﴾
 طبعاً حينما يستفتونك هم مؤمنون، أرادوا التقرب من الله عز وجل، أرادوا أن تكون علاقاتهم بالنساء علاقات شرعية جيدة.
  
﴿ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ﴾
لكن الله سبحانه وتعالى في سورة سابقة حدثكم عن هذا الموضوع:
﴿ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء
هذه "ما" معطوفة على لفظ الجلالة قل:
 
﴿ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ ﴾
والكتاب الذي بين أيديكم يفتيكم أيضاً، إنسان عنده يتامى جميلات غنيات يتمناهن لنفسه أو واحدة منهن، ولأنه وكيلها ووصيها ووليها قد لا يعطيها حقها، فالإنسان حينما يكون ولياً أو وصياً على فتاة وهضمها حقها وقع في معصية كبيرة، لذلك ورد في سورة سابقة في آل عمران أنك إذا خفت ألا تعطيها حقها تزوج غيرها! كان هناك ردعاً شديداً أن تظلم المرأة، هي لأنها في حجرك وتحت وصايتك ورعايتك وتخجل أن تطالبك بحقها أنت استفدت من هذه الوصايا فلم تعطيها حقها وقعت في ظلم شديد، فالله عز وجل أشار أنك إن أردت أن تتزوج فتاة تحت وصايتك، كانت غنية فطمعت بمالها أو جميلة طمعت بها، لعلك لا تعطيها حقها أو تنتفع بها، لعلك ظلمتها، فالله عز وجل أشار لهذا.
 
أخطر شيء في حياة الإنسان أن يستقل بالفتوى عن العلماء :
 
هناك أناس كثيرون يتوهمون أنهم يقيمون العدل، لكن العدل الذي يقيمونه هم، أخطر شيء في حياة الإنسان أن يستقل بالفتوى عن العلماء، يتوهم مصلحته شرعاً أو هواه منهجاً، أما الإنسان حينما يحضر مجلس العلم ويسأل ويستفتي في الأعم الأغلب لا يقع في خطأ كبير، كم من إنسان وضع أمواله عند أناس يقولون نحن لا نجري حسابات على الألف كذا بالشهر؟ يقول الحساب صعب ولست متفرغ لأدقق في الحساب! هذا الربا بعينه!! إذا لم يكن حساب أرباح حقيقية ولا يوجد عقد واضح بينك وبينهم، ويوجد اتفاق على نسبة ثابتة بينك وبينهم هذا المبلغ المقطوع شهرياً هو الربا بعينه دون أن تشعر، فأكبر خطأ الإنسان أن لا يسأل، أو يستقل بوجهة نظره عن الذين أوتوا العلم، والله عز وجل يقول:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة النحل:43 ]
إنسان تحت يده يتيمة، هو الوصي عليها ومكلف بإدارة شؤونها، لها مال وفير تزوجها طمعاً في مالها، أو على جانب من الجمال تزوجها طمعاً في أن يصل لمبتغاه من دون أن يتكلف ما تستحقه مثلاً وقع في ظلم شديد!
﴿ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً﴾
 
حكم مال اليتيم :
 
أحياناً طفل يتيم ماله في حوزتك ماذا يفعل بعضهم؟ يجعل مال اليتيم درءاً لماله في صفقة مجهولة، يستخدم مال اليتيم لهذه الصفقة فإن ربحت أرباحاً طائلة أنزل أمواله في هذه الصفقة، وإن خسرت يقول لك: لا يوجد نصيب سبحان الله قضاء وقدر، النبي عليه الصلاة والسلام أشار لهذا ولا تجعل مالك دون ماله، لا تجعل ماله دريئة لمالك، لا تجعل ماله جساً لنبض السوق أو تجربة، مالك لا تستخدمه إلا في صفقة ربحها بنسبة عالية جداً، لكن مال اليتيم تجعله جساً لنبض السوق أو امتحاناً لهذه الصفقة، هذا أيضا يعلمه الله عز وجل.
لذلك العلماء حينما تحدثوا عن مال اليتامى قال: إن كنت غنياً ينبغي أن تستعفف أن تأخذ نصيبك من الربح وإن كنت فقيراً ينبغي أن تأكل بالمعروف، وما هو الأكل بالمعروف؟ أن تأخذ حاجتك أو أجر المثل أيهما أقل، عرف السوق للمضارب نصف الربح، فإذا كان الربح لا يغطي مصروفك ينبغي أن تأخذ نصف الربح فقط، وإن كانت حاجتك أقل من نصيبك من الربح ينبغي أن تأخذ حاجتك، هذا معنى أن يأكل بالمعروف. من كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف هذا هو الحكم الشرعي.
الله عز وجل أرادنا ألا نخلط مصالحنا ببنود الشرع، نزّه نفسك عن أن تستغل إنساناً أو طفلاً يتيماً أو فتاة يتيمة في حجرك أو مستضعفاً، هذا المستضعف واليتيم واليتيمة الله جل جلاله هو الذي يدافع عنهم.
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
[ سورة غافر: 19 ]
من يكشف أن هذا التاجر اتّجر بمال اليتيم ليمتحن هذه البضاعة؟ أتربح أم لا تربح؟ إن ربحت أدخل ماله الشخصي في هذه التجارة وإن لم تربح قال لليتيم: هذا الربح نصيب من الله لم نوفق لا يوجد قسمة أو نصيب، ويستخدم ألفاظ الشرع ليغطي خيانته لمال اليتيم، لكن الله يعلم وأنت حينما تعلم أن الله يعلم تستقيم على أمره.
 
كلما شعرت أن الله لا تخفى عليه خافية تكون قد استقمت على أمره :
 
أمثلة كثيرة جداً أضعها بين أيديكم، يوجد حالات ليس على سطح الأرض إنسان واحد بإمكانه أن يكشف انحرافك إلا الله، الذي تفكر فيه وتصبو فيه والذي بعثك لهذا العمل والمغالطة التي تفعلها وإيهامك الناس كذا وكذا كل هذا عنده علمه.
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
[ سورة غافر: 19 ]
كلما كنت واضحاً وأمام الله بريئاً، وكلما شعرت أن الله لا تخفى عليه خافية تكون قد استقمت على أمره.
أضرب لكم بعض الأمثلة: إنسان له أخت توفي عنها زوجها وترك لها مبلغ من المال وضعته عند أخيها لتستثمره فهي واثقة به، جيد! أخوها خبرته بالخيوط، وعنده معمل نسيج اشترى لها بهذا المبلغ كذا طن من الخيوط، الآن احتاج أخوها لخيوط ماذايفعل؟ الآن هو من جهة وكيل أخته ومن جهة مشتري، يشتري من نفسه كوكيل ويشتري لنفسه كأصيل صفقة داخلية، يضع سعر، من الذي يعلم علم اليقين أن هذا السعر فيه إنصاف؟ الله عز وجل، لا تستطيع أخته أن تحاسبه، هذا السعر، لكن الله يحاسبه، فإذا تقصى الأسعار وأخذ الوسطية منها، وأضاف قليلاً تبرئة لذمته رضي الله عنه، العلاقة مع الله سهلة جداً، إذا كنت بريئاً الله عز وجل يرضى عنك ولم يحملك ما لا تطيق، أنت بحاجة لطنين خيوط سألت خمسة مصادر أخذت الأسعار الخمسة، أخذت السعر الوسطي وأضفت بالمئة اثنين احتياط واشتريت هذا الخيط من أختك من نفسك فأنت عند الله بريء، لكن هناك من يحتال ويكذب ويدلس، يوجد بيع شكلي مهمته أن تنزل الأسعار، الله عز وجل يعلم، فهذه الآية تشير أنك من جهة طيبة أنك إذا سألت أو استفتيت فهذه علامة طيبة للإنسان، هو تعرف لله وتقصى ارضاءه وعليه أن يتقصى حدود الشرع في ذلك، فيسأل أو يستفتي، يسأل فيما هو مجهول ويستفتي فيما هو معلوم، ولكن حينما يستغل وكالته أو ولايته لصالحه فالله عز وجل عليم بانحرافه أو باستغلاله لمهمة أوكلت إليه.
الطفل الصغير مستضعف واليتيم كذلك واليتيمة أشد ضعفاً وأنت الوكيل، لذلك أعظم ما في هذا الدين أن الله بين كل رجلين وبين كل شخصين.
 
الله جلّ جلاله حينما قرب المؤمنين منه ما قربهم إلا لأنهم منصفون محسنون :
 
مرة كنت عند قصاب والله أثني عليه، جاءه طفل عمره خمس سنوات طلب منه قطعة لحم من نوع نادر جداً لمريض، أعطاه هذه القطعة بحسب طلبه تماماً ثم فرمها بالآلة، وهذا القصاب يستطيع أن يعطيه أسوأ أنواع اللحم والطفل لا يعلم، طفل صغير طلب قطعة من الخروف مفيدة جداً للمريض وهي قطعة محدودة وقليلة، فهذا القصاب خاف من الله أعطاه ما طلب بشكل دقيق جداً هذا المؤمن، لا يهمه الطرف الثاني، حاسبه أو لم يحاسبه الله يحاسبه، أعظم ما في الدين أن الله بين شخصين، فكل طرف يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، وكل طرف يرجو رحمة الله  بخدمة الطرف الآخر، أما إذا لا يوجد دين القوي يأكل الضعيف، والغني يبتلع الفقير، والذكي يحتال على المحدود، صراع بين ذكي ومحدود، وبين قوي وضعيف، وبين غني وفقير، والذي يجري في العالم هذا، القوي يفعل ما يريد والناس كلهم معه خوفاً منه، والمستضعف لا أحد يلتفت إليه، أعور لا يرى إلا عدوه، يرى شوكة في عين عدوه ولا يرى جذعاً في عينه، هذا بالتعبير المعاصر الكيل بمكيالين، لكن الله جل جلاله حينما قرب المؤمنين منه ما قربهم إلا لأنهم منصفون محسنون.
بالمناسبة الفرق كبير جداً بين هؤلاء الأقوياء الذين يقربون إليهم كل من والاهم وبين الذات الإلهية التي لا تقرب عبداً إلا إذا كان كاملاً.
قيل يا رسول الله مثل بهم هؤلاء الذين مثلوا بعمك، قال: لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً،أعظم ما في حياة المؤمن أنه منضبط، ويخاف من الله عز وجل، ولو كنت مستضعفاً ومهزوماً في معركة، سيدنا علي كرم الله وجهه له قول رائع قال:لا أدخل معركة المنتصر فيها شر من المهزوم، المنتصر ربح الدنيا، لكن المنهزم إذا بذل كل وسعه ولم يستطيع، أعد الإعداد الأقصى ولم يستطع مات مؤمناً ربح الآخرة.
سمعت شاب في العراق يشير لمكان مات فيه عدد كبير من الذين جاؤوا يبتغون وجه الله في قتال المعتدين، قال هذا الشاب: أنه يوجد إنسان أقسم بالله أربعة أيام والحر شديد وكأنه نائم، فقال: حفرتُ حفرة وقبلته قبل أن أهيل التراب عليه، كل إنسان له عمل، هو أراد أن يموت في سبيل الله، ليس له علاقة بما يجري، هو ابتغى وجه الله عز وجل، فكل إنسان له عمله وكل إنسان له نيته، قال: أربعة أيام ملقى في مكان مع عدد كبير من الذين قتلوا وجاؤوا من بلاد مختلفة لعلهم يلقوا الله عز وجل، فقال: أربعة أيام كأنه نائم، حفر له حفرة وقبَّله ثم أهال التراب عليه، فالله عز وجل رب النوايا، في الآية شيئان حينما تسأل أو تستفتي هذه بادرة طيبة، أردت أن تحاسب نفسك أو تعرف ما الذي يرضي الله عز وجل، وحينما تكون وكيلاً أو وصياً ينبغي أن تكون الأمور واضحة جداً فلا تدخل مصلحتك بمهمتك.
 
التنازل من صفات المؤمن والتشبث والعناد من صفات المعرض :
 
ثم إن الله عز وجل يقول:
 
﴿ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾
الحياة قصيرة وليست لا نهائية، وهذه المرأة التي كانت شريكة حياتك وعشت معها مدةً من الزمن لو حصل مشكلة وانتهت هذه المشكلة بالصلح، فالله عز وجل يحب الصلح، هي خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً أو هو خاف من زوجته نشوزاً أو إعراضاً فأصلح أموره وأصلحت أمورها، تنازل قليلاً وتنازلت قليلاً، التقيا في منتصف الطريق فاصطلحا، المشكلة أن الإنسان يقف دائماً في موقع ويريد من الطرف الآخر أن يأتي إليه، والطرف الآخر تأخذه العزة، يتشبث في موقعه ويطلب من الطرف الآخر أن يأتي إليه لا يأتيان ولا يلتقيان، التنازل فضيلة فإذا تنازلت قليلاً وانتهى هذا التنازل بصلح بينهما، أو لو تنازلت قليلاً وانتهى هذا التنازل بصلح بينك وبين زوجك هذا الذي يرضي الله عز وجل، وحينما تضع نفسك مكان الآخر تكون منصفاً، حين تضعي نفسك مكان زوجك تكوني قد أنصفت.
﴿ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً ﴾
الإنسان دائماً لا يقبل الحقيقة، يقفز عليها، لكن المؤمن يقبل الحقيقة المرة، مثلاً: إنسانة لا تنجب والعلة منها برأي الأطباء فإذا قبلت من زوجها أن يتزوج بأخرى لأنه يريد أن يرى له ذرية هذه امرأة عاقلة مؤمنة،لأنها قبلت هذه الحقيقة المرة أنها عقيم، وسمحت لزوجها بأن يتزوج بأخرى لينال منها الذرية، فالتنازل دائماً من صفات المؤمن، والتشبث والعناد وركوب الرأس من صفات المعرض.
 
حينما يكون الإنسان موصولاً بالله تأتيه الحكمة كهدية من الله عز وجل :
 
قال تعالى:
﴿ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً ﴾
لو يوجد سبب أنه تزوجها زواج مصلحة والآن مخير بين أن يعصي الله لا سمح الله ولا قدر وبين أن يبقى معها فسمحت له أن يبقى في منهج الله لا مانع، هذه امرأة بطلة لأنها حفظت دين زوجها، أنا لا أقول عن جهة واحدة أقول مشكلة في هذا البيت، فالمرأة حينما تعقل أن هناك مشكلة وأن هذه المشكلة لا بد أن تحل وقدمت بعض التنازلات هذه التنازلات هي عند الله أمر كبير جداً، والرجل حينما يعاين مشكلة في البيت ويقدم بعض التنازلات حفاظاً على هذه الأسرة وعلى راحة أولاده النفسية وحفاظاً على التئام الزوجين أيضاً شيء عظيم عند الله، لكن دائماً الحمق يأتي من التشبث والعناد ومن الشيطان، وكلمة باللغة الدراجة، الإنسان حينما ينقطع عن الله يرتكب حماقات ما بعدها حماقات ولو كان ذكياً، وحينما يكون موصولاً بالله تأتيه الحكمة كهدية من الله عز وجل.
 
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
[ سورة البقرة: 269 ]
﴿ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾
أحياناً يتناطح اثنان في المحاكم، عشر سنوات أعصاب الطرفين مشدودة لا ينامون الليل وتحت رحمة المحامون والقضاة، وكم من دعوة تبدل فيها القضاة عشرات المرات، وعشر سنوات كلام يقال لهما كذب في كذب، فلو جمعا المبلغ الكبير الذي أنفق في هذه الدعوة وسامحا بعضهما بقدر هذا المبلغ لعاشا حياة مريحة، الإنسان أحياناً لا يضع ثمناً للقلق، القلق متعب جداً، أجمل كلمة قالها سيدنا معاوية لسيدنا عمر بن العاص قال: يا عمر ما بلغ من دهائك؟ قال: والله ما دخلت من مدخل إلا أحسنت الخروج منه، فقال له معاوية: لست بداهية، قال: أما أنا فو الله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه!
 
الشح مركب في أصل طبع الإنسان :
 
كلما كنت موفقاً أو عاقلاً تستفيد من خبرات الآخرين أو من حقائق الشرع:
 
﴿ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الْأَنفُسُ الشُّحَّ
كل إنسان عنده نوع من الشح، أيها الأخوة، حينما قال الله عز وجل:
 
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾
 [سورة آل عمران:14]
محبة المال مزروعة في أصل طبع الإنسان، هو حريص على ما في يديه.
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ     مَنُوعاً ﴾
[ سورة المعارج: 19-21 ]
إذا مسه الخير منوع هذا معنى الشح، ومركب في أصل طبع الإنسان، لكن الإنسان المؤمن الذي آمن بالله خالقاً ورباً ومسيراً وآمن بالآخرة ينتصر على بشريته فيعطي كل ذي حق حقه، وإذا كان مستواه أرقى يحسن، فالإنسان حينما يعطي حقوق الآخرين وهي في يده وبإمكانه ألا يعطي يرقى عند الله، وإذا زاد على ذلك وكان محسناً يرقى عند الله عز وجل، فالناس جميعاً متساوون في حبهم للمال وحبهم للنساء وحبهم لكل شهوات أودعت فيهم، من هو النبي؟ هو الذي انتصر كلياً على دوافعه الأرضية، من هو المؤمن؟ هو الذي انتصر في الأعم الأغلب على دوافعه الأرضية.
 
الإنسان لا يرقى إلا عندما يغلب حظوظ نفسه :
 
قال تعالى:
 
﴿ وَأُحْضِرَتْ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾
إذا أدى الإنسان ما عليه من حقوق كمثال: أب ترك بيتاً في حي راق في الشام والورثة ابن وابنة، البنت متزوجة ولها زوج، وزوجها له بيت، وهذا البيت الذي ترك للأخ وأخته، كم أخ يقول لأخته: هذا بيت العائلة تعالي اسكني معنا، يسكن وحده مع زوجته فيه ويتمتع فيه وهو في حي راق جداً، ويقول لأخته: هذا بيت العائلة؟!! كم إنسان يقيِّم البيت فارغاً ويعطي أخته حقها الكامل من ثمن هذا البيت؟ فكل إنسان حريص على بيت أو على مبلغ كبير من المال أو على اقتناء أشياء ثمينة، أما حينما ينتصر على بشريته فيعطي كل ذي حق حقه ثم يحسن له عند الله مقام رفيع.
 
﴿ وَأُحْضِرَتْ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾
لذلك الآية الكريمة:
 
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
[ سورة الحشر: 9]
أنت لا ترقى إلا عندما تغلب حظوظ نفسك.
 
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
[سورة النازعات: 40-41 ]
 
العدل وأنواعه :
 
أنت لا تغنى عند الله إلا عندما تغلب حظوظ نفسك.
 
﴿ وَأُحْضِرَتْ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً*وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾
العدل نوعان عدل مطلق وعدل تام، عدل مطلق في ميل القلب الذي عنده زوجتان أو ولدان لا بد من أن يميل لأحدهما أكثر من الآخر وهذا الذي قال عنه النبي الكريم:
((عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ))
[سنن الترمذي عَنْ عَائِشَةَ]
قضية الميل أن يعدل في الميل لا يستطيعها إنسان، لكن الذي طالبك الله به العدل التام في المسكن والإنفاق والكساء وحسن المعاشرة، لك أن تبتسم للاثنتين وتجلس مع الاثنتين، ولك أن تؤنس الاثنتين، وتسكن كل واحدة منهن في بيت يليق بها، ولك أن تنفق على الاثنتين هذا مطالب به، أما ميلك لهذه لأنها أذكى أو أجمل هذا لن تحاسب عليه لذلك:
 
﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾
هذا العدل المطلق، هذا ميل القلب، لكنكم مكلفون أن تعدلوا العدل التام في المسكن والإنفاق والمبيت وحسن المعاشرة.
 
لك أن تحب وتبغض ولكن إياك أن يحملك حبك على معصية وبغضك على ظلم :
 
قال تعالى:
﴿ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾
المعلقة ليست بلا زوج فتتزوج، وليست تأخذ نصيبها من الزواج، حالة صعبة جداً لا سلم ولا حرب، ليست متزوجة فتنعم بالزواج، وليست بلا زوج فتتزوج، هذا أشد أنواع الظلم إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان:
 
﴿ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾
لك أن تحب ولك أن تبغض، لكن إياك ثم إياك أن يحملك حبك على معصية، وإياك ثم إياك أن يحملك بغضك على ظلم، أحب من تشاء وأبغض من تشاء، مادام الحب والبغض لا يحملانك على معصية أو ظلم فلا مانع، سيدنا عمر دخل عليه قاتل أخيه قال له: اجلس لا ترني وجهك، فقال قاتل أخيه: أتحبني؟ قال: والله لا أحبك، لكن ما الذي فعله هذا القاتل؟ أسلم، فلما أسلم أنهى المشكلة، انتهى الأمر لم يبق مشكلة، لكن قال له: لا ترني وجهك، قال له: هل يمنعك بغضك لي أن تعطيني حقي؟ قال: لا والله، فقال هذا الإنسان بلا حياء: إنما يأسف على هذا الحب النساء، هذا منهج، أحببته أو لم تحبه حقه واصل، نحن على توهم البغض نحرمه كل شيء، إنسان أحياناً يحمد الله ستين عاماً فيضار في الوصية فتجب له النار! عنده اثنتين الجديدة أصغر وسيطرت عليه أكثر طلبت منه أن يكتب بيتين باسم أولادها الصغار، والقديمة لها أولاد حرموا تجب له النار!
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ))
[سنن الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
فالحقيقة هنا لك أن تحب وتبغض، ولكن إياك أن يحملك حبك على معصية، ثم إياك أن يحملك بغضك على ظلم.
 
فساد البين بين الأخوة أخطر من الكفر :
 
قال تعالى:
 
﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا ﴾
ذكرت كم بند؟ ذكرت أن تعدل بين الزوجتين في السكنى ثم في الإنفاق ثم في المبيت في الوقت ثم في حسن المعاشرة.
 
﴿ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا ﴾
تعدلوا وتتقوا أن تعصوا اللهعز وجل.
 
 
﴿ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾
مرة ثانية: الإنسان له ميول فطرية، من هو البطل؟ الذي ينتصر على ميوله الفطرية، فاتقى أن يعصي الله وأصلح قال:
((عَنْ سَلْمَانَ قَال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَلْمَانُ لَا تَبْغَضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَبْغَضُكَ وَبِكَ هَدَانَا اللَّهُ؟ قَالَ: تَبْغَضُ الْعَرَبَ فَتَبْغَضُنِي))
[سنن الترمذي عَنْ سلمانَ]
دققوا في هذا الحديث:
((عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ))
]أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ سنن الترمذي[
إذا إنسان كره مسلماً، والمسلم لم ينصفه وكان قاسياً والله لا أبالغ قد تنقلب هذه الكراهية للإسلام، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ))
[أحمد عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّهم عَنْهم ]
لذلك فساد البين بين الأخوة الكرام أخطر من الكفر تنتهي بهم لكراهية الدين، فإذا كنت منتمياً إلى مسجد فانتبه، أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك.
 
المحبة لا تكون إلا بالكمال والعدل والإحسان :
 
ذكرت مرة أن الأب يُحترم دائماً لأنه أب، لكن لا يُحَب دائماً إلا إذا كان كاملاً! لا تقل: أنا أب يجب أن يحبني أولادي، يحبونك إذا كنت عادلاً بينهم ومحسن، ينبغي أن تحترم لأنك أب، فقط احترام، أما محبة لا تكون إلا بالكمال والعدل والإحسان. قال:
﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ ﴾
الله عز وجل كريم، أبغض شيء إلي التفريق بين الزوجين، حينما أحضر فرقة بين زوجين لي كلمة مشهورة أقول: هيأ الله لك أيها الشاب خيراً من زوجتك هذه التي افترقت عنها، وأقول لأبيها هيأ الله لابنتك زوجاً خيراً من هذا الذي تركها.
 
﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ ﴾
الله عز وجل قدير! تروي الكتب قصة ذات مغزى فقط: أن إنساناً كان يجلس مع زوجته طرق سائل الباب وهما يأكلان الدجاج فهمَّت أن تعطيه بعض الطعام لأنه فقير، فنهرها وعنفها وقال: اطرديه، بعد حين العلاقة ساءت بينهما فطلقها، تزوجها رجل سعدت بقربه كثيراً، وهما يجلسان ويأكلان الدجاج طرق طارق، فلما فتحت الباب عادت مضطربة قال: من طرق الباب؟ قالت: سائل، قال: من هو هذا السائل؟ قالت: زوجي الأول! قال: هل تدرين من أنا؟ أنا السائل الأول! أحياناً الإنسان يكون متجبراً والله يذله، وأذلّ الله الأمريكان، الآن يا ربيكون متجبراً متغطرساً هذا عقابه عذاب مهين.
 
﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ ﴾
أجمل كلمة حكتها زوجة شريح قالت: يا أبا أمية لقد كان لي من رجال قومي من هو كفء لي وكان لك من نساء قومك من هي كفء لك، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله، فاتقِ الله فيّ وامتثل قوله تعالى: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
تقول: لا يوجد غيري! يوجد مليون مثلك، تقول هي كذلك يوجد مليونمثلها، تواضع، بسبب النفاق تجد العي بين الأزواج.
 
﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ﴾
الله عز وجل قادر في كل لحظة أن يعطي كل طرف أحسن من زوجته الحالية بمليون مرة، لكن الله امتحنك بهذه الزوجة، إنسان له زوجة سيئة جداً قيل له: طلقها، قال: والله لا أطلقها فأغش بها المسلمين.
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب