سورة البقرة 002 - الدرس (87): تفسير الآيات (261 - 269) الإنفاق 1

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة البقرة 002 - الدرس (87): تفسير الآيات (261 - 269) الإنفاق 1

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - وجوب العمل على فك الأسرى - د. جمال خطاب           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 10 - ولئن متم أو قتلتم - الشيخ ادهم العاسمي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية -436- واجبنا تجاه الأسرى - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 391 - سورة المائدة 008 - 010         

الشيخ/

New Page 1

     سورة البقرة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة البقرة - تفسيرالآية: (261 - 269) - الإنفاق 1

20/03/2011 19:07:00

سورة البقرة (002)
الدرس (87)
تفسير الآيات: (261-269)
الإنفاق 1
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً
 وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
المال في فلسفته هو قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري :
 
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس السابع والثمانين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الواحدة والستين بعد المئتين، وهي قوله تعالى:
 
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
 
أيها الأخوة الكرام،  بعد الإيمان لا شيء يعلو على الإنفاق، آمنت بالله فلا بد من التقرُّب إليه، ولا بد من دفع ثمن جنَّته، تتقرب إليه بالإنفاق، وتدفع ثمن جنةٍ عرضها السماوات والأرض بالإنفاق،
 والإنفاق بالمعنى الواسع إنفاق كل شيءٍ تملكه؛ إنفاق علمٍ، وإنفاقُ خبرةٍ، وإنفاق مالٍ، وإنفاق وقتٍ، وإنفاق جهدٍ، وإنفاق وجاهةٍ..
 
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
 
لكن الإنفاق إذا أُطلق انصرف في الأعم الأغلب إلى إنفاق المال، والمال قيمةٌ مطلقة، كيف؟ إنسان درس الطب ثلاثةً وثلاثين عاماً، امتلك خبرةً في معالجة المرضى، يأتيه مريض يعالجه فيأخذ منه ألف ليرة،
 هذه الألف ليرة قيمة علمٍ دامت ثلاثةً وثلاثين عاماً، إنسان نقل بضاعة من مكان إلى مكان، أخذ ألف ليرة، هذه الألف الثانية أجرة نقل بضاعة، إنسان أصلح آلة أخذ ألفا ليرة مثلاً، إنسان علَّم درس
 رياضيات أخذ ألف ليرة، فهذا الأخير قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري، إذاً المال في فلسفته: قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري.
 
الله سبحانه وتعالى خلقنا كي نربح عليه :
 
إنسان عنده بضاعة لها ثمن، إنسان عنده مواد زراعية لها ثمن، إنسان عنده خبرات لها ثمن، إنسان عنده خدمات لها ثمن، فأنت حينما تأخذ أجراً على عملك هذا الأجر يساوي جهدك، مثلاً: نقلُ سيارة رمل
 من مكان إلى مكان يكلِّف ألف ليرة، فهذه الألف ليرة هي قيمة جهد بشري، فهي قيمةٌ مطلقةٌ لهذا الجهد، فالمعنى أنك حينما تنفق هذا الألف ماذا أنفقت؟ أنفقت جهداً، أنفقت جهداً يساوي أربع ساعات
 بعملٍ شاق، فأنت أنفقت جهداً مضنياً، حينما أنفقت الألف أنفقت جهداً، والطبيب إذا أنفق الألف أنفق علمه، والمدرس إذا أنفق ألفاً أنفق علمه أيضاً، والمحامي أنفق علمه، والمهندس أنفق علمه، والبائع
 أنفق خبرته في الشراء والبيع، والصانع في صناعةٍ معيَّنة، والذي أدَّى الخدمات أنفق خدماته مقابل ألف، فالمال قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري..
 
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ ﴾
 
فكأن الله سبحانه وتعالى خلقنا كي نربح عليه، أنفِق حبةً يأتِك مئة ألف حبَّة، يأتِك سبعمئة ألف، يأتِك أعدادٌ لا تعد ولا تحصى..
 
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾
 
الآية التالية تشجع المؤمنين على الإنفاق :
 
ذات مرَّة كنت في الغوطة الشرقية، فأطلعني أخٌ كريم صاحب بستان هناك على حبةٍ أنبتت خمساً وثلاثين سنبَلَة، أخذت سنبلةً واحدةً، وفرطتها، وعددت حباتها فإذا هي خمسون قمحة، ضربت خمساً
 وثلاثين بخمسين، معنى هذا أن حبة واحدة أنبتت ألفاً وسبعمئة وخمسين حبة تقريباً، أي أن الله عزَّ وجل إذا أعطى أدهش، بعلم الزراعة في القديم الكيس يعطي عشرة أكياس، أو ثلاثين كيساً، أو أربعين
 كيساً، مرة أعطى سبعين كيساً، والآن يعطي الكيس كيساً، أو كيسين، أو ثلاثة أكياس، فالله عزَّ وجل يضاعف لمن يشاء..
 
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
 
أيْ أيها الإنسان: اعلم أنك إن أنفقت شيئاً ضاعفه الله لك أضعافاً كثيرة، هذه الحقيقة تحتاج إلى إيمان، أنت حينما تؤمن أن كل شيءٍ تنفقه يضاعفه الله لك أضعافاً كثيرة، وحينما تؤمن أن كل شيءٍ تنفقه
 يعلمه الله عزَّ وجل، فأنت بحاجة إلى حقيقتين: إلى حقيقة أن الله يعلم، والثانية إلى أن الله سيعوض، لذلك لا تجد إنساناً مؤمناً إيماناً قوياً إلا ويبادر إلى الإنفاق  لأنه يعلم علم اليقين أن الله يعلم، وأن الله
 سيضاعف أضعافاً كثيرة.
أيها الأخوة، سمعت قصصاً حول هذه الآية واللهِ لا تعد ولا تحصى، والله: عشرة أضعاف الحد الأدنى، وأضعاف مضاعفة لا يحصيها إلا الله عزَّ وجل نظير الإنفاق، وكأن هذه الآية تشجع المؤمنين على
 الإنفاق..
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
 
قيمة العمل منحصرةٌ في النيَّة :
 
الإنفاق، هناك إنفاقٌ كثير ليس في سبيل الله، بل من أجل أن تنال إعجاب الآخرين، من أجل أن تلفت نظرهم، من أجل أن تعلو بينهم، من أجل أن تملك ولاءهم، من أجل أن تحقق مآربك معهم، من أجل
 أن تستخذيهم، وهناك إنفاقٌ في سبيل الله، الإنفاق في سبيل الله يحتاج إلى إيمانٍ كبير كي يتولَّد عن هذا الإيمان الكبير نيَّةٌ خالصةٌ لله عزَّ وجل، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إِنما الأعمال بالنيات))
[البخاري عن عمر بن الخطاب ]
أي أن قيمة العمل منحصرةٌ في نيَّته فقط.
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى ﴾
 
الإنسان لضعف إخلاصه يَمُنُّ على مَن أعطى، قد يقول لك: لحم كتفك من خيري، لولا عطائي لما كنت إنساناً محترماً، لولا عطائي لما نلت هذه الشهادة، لولا عطائي لما كنت تاجراً، كل ما عندك من خير
 بسببي، هذا هو المَن أن تذكِّر الذي أعطيته بعطائك مرة وراء مرة وراء مرة حتى يتأذَّى، وحتى يخرج من جلده بسبب مَنّك..
 
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
 
الإخلاص لا يتأتَّى إلا من إيمان، والإيمان أساسه التوحيد، وما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، وحينما تعمل لوجه الله الكريم لا تحتاج إلى مَن يمدحك، ولا إلى مَن يثني عليك، ولا تحتاج لا إلى رخامةٍ تعلَّق
 على جدار المسجد، ولا إلى كتاب شكرٍ، ولا إلى تنويهٍ في جريدة، إنك تبتغي بهذا وجه الله عزَّ وجل، وتحتسبه عند الله..
 
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
 
كلما ضعف إخلاصك علا صوتك بالعمل الصالح :
 
المؤمن في الطريق الموصل إلى الله ينفق ماله ليقرِّب الناس إلى الله، ينفق ماله ليعرِّف الناس بالله، ينفق ماله ليطعم المحتاجين والفقراء في سبيل الله..
 
﴿ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى ﴾
 
لا يتكلَّم، قاعدة ذهبية: " اصنع معروفاً مع إنسان، ثم ينبغي أن تنسى هذا المعروف وكأنك لم تفعله، أما إذا صُنع معك معروف، ينبغي ألا تنسى هذا المعروف ". حاول ألا تنسى الذي أخذت وأن تنسى
 الذي أعطيت، معظم الناس على العكس، مهما قدِّمت لهم من خدمات ومن أعمال طيبة هي في طيّ النسيان، أما إذا فعلوا فعلاً طيباً يملؤون الدنيا صراخاً وبياناً، ولفت نظرٍ، وإشارةً إلى هذه الأعمال،
 كلما ضعف إخلاصك علا صوتك بالعمل الصالح، كلما ضعف إخلاصك أردت أن تنتزع إعجاب الآخرين بعملك الصالح، لذلك هذا الذي يريد أن يُعْلِن عن أعماله ضعيفٌ في إخلاصه، بعيدٌ عن مرضاة
 ربه، لا يراقب الله في أعماله..
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾
 
هذه فقط للتوضيح، إذا قلتُ لك: لك أجرك عند المَلِك، المَلِك ماذا يعطي؟ يعطي عطاءً كبيراً، فأقل عطاء له بيت أو مركبة، وهذا أقل عطاء، لك أجرك عند الملك، أي عند من يعطي بلا حساب، عند
 من يعطي عطاءً ثميناً، فكيف إذا كان أجرك عند ملك الملوك..
 
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
 
من أَجَلّ القربات عند الله عزَّ وجل إنفاق الأموال :
 
أيها الأخوة الكرام... إن من أَجَلّ القربات عند الله عزَّ وجل إنفاق الأموال، الأموال ـ كما قلت في بداية الدرس ـ تعبيرٌ عن جهدٍ بشري، فأحياناً مدرِّس يجلس مع الطالب ساعتين أو ثلاثاً، ويتقاضى
 خمسمئة ليرة، فإذا رأى فقيراً وأعطاه هذه الخمسمئة ليرة، فماذا أعطاه؟ أعطاه ثلاث ساعات من جهده، من التركيز، من محاولة تفهيم هذا الطالب الكسول، هذا جهدٌ كبير، هذا الجهد قبض ثمنه خمسمئة
 ليرة، فحينما أنفقها أنفق جهده، لذلك:
﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
في المستقبل..
﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
على الماضي. يعني ما من آيةٍ تملأ القلب طمأنينة كهذه الآية:
﴿ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
في المستقبل..
﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
إذاً، المستقبل مغطى بعدم الخوف، والماضي مغطى بعدم الحُزن.
 
درءُ المفاسد مقدمٌ على جلب المنافع :
 
الإنسان يتحسَّر أحياناً على شبابه الضائع الفائت، ويخاف المستقبل المُظلم، هذه حالة أهل الإعراض عن الله عزَّ وجل، نادمٌ على كل شيء، خائفٌ من كل شيء، لكن المؤمن بالعكس، لا يخاف في المستقبل
 لأن الله ضمن له المستقبل..
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ﴾
[ سورة التوبة: 51 ]
ولا يندم على الماضي، لأن خَطَّه البياني صاعدٌ بانتظام، ولأن الزمن في مصلحته، إن الزمن يقرِّبه من جنَّة ربِّه.
 
﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾
 
أي أنك إذا اعتذرت بأدبٍ جم، أو إذا نصحت، أو إذا ابتسمت، أو إذا وجَّهت للخير، فـ..
 
﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ﴾
أيْ: تعرفه النفس أنه حق..
﴿ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾
 
أي: أن درءُ المفاسد مقدمٌ على جلب المنافع، الصدقة فيها نفع للمتصدِّق، إذا درأت المفاسد فلم تمنَّ ولم تؤذ أفضل من أن تتصدق وأن تمن وتؤذي، لذلك قال الله تعالى:
 
﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾
 
الصدقة تبطل بالمنِّ والأذى :
 
هذا الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فهذا الخلط أمره إلى الله عزَّ وجل، ليتها لم تزنِ ولم تتصدق، يعني مثلاً ليتك لم تنفق ولم تمنَّ على هذا الذي أنفقت، إذا أنفقت ينبغي أن تكتم، هناك قاعدة عامة: "
 إذا عملت عملاً صالحاً ينبغي أن تصمت، وأن تحتسب هذا العمل لله "، أما الحديث: أعطيته، منحته، وهبته، فضلت عليه، لولاي ما صار رجلاً يؤبه له، لا، سيصير رجلاً من دونك، كلام فارغ يقوله
 معظم الناس، لحم أكتافه من خيري ـ مثلاً ـ ما هذا الكلام؟!! كلامٌ فيه بعدٌ عن الله عزَّ وجل..
 
﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ ﴾
عن هذا المتصدق وصدقته..
﴿ حَلِيمٌ ﴾
 
على منِّه وأذاه، فالله عزَّ وجل حليم عن معاصي العباد، غنيٌ عن صدقة هذا المتصدق..
 
﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾
 [ سورة محمد: 38 ]
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾
 
فالصدقة كما قال بعض العلماء: تبطل بالمنِّ والأذى، تنعدم قيمتها، لا يقبلها الله عزَّ وجل، قال بعض العلماء: لا يكتبها مَلَكُ الحسنات إذا كان معها مَنّ وأذى.
 
المنُّ يُوصل إلى الأذى :
 
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾
 
أي أن المن يوصل إلى الأذى، مننت عليه مرة، وثانية، وثالثة، ورابعة فخرج من جلده وقال: لقد آذيتني بهذا المن، أو أن بعض العلماء يقول: المنُّ أن تذكره بعملك الطيب، ثم تقسو عليه في الكلام: ما
 
 شكرتني!! ما أعلنت ذلك أمام الناس، ما بيَّنت، ما نوَّهت، فتقسو عليه.
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
 
هذا الرياء، أي إذا كان جمهور من الناس يرونه وهو ينفق ماله، واللهِ سمعت عن رجل أمام الجمهور ينفق مئات الألوف، أما أقرباؤه الأدنون فهم في أمسِّ الحاجة إلى المال ولا ينفق عليهم شيئاً، فأقرباؤه إذا
 أنفق عليهم لا يعلم أحد بهذا الإنفاق، أما إذا كان بحفل كبير وصار تبرُّعات فهو ينفق مئة ألف، بل مليون، مرة سمعت باحتفال لجمع تبرعات أن أحدهم أسمع ووعد بملايين، ثم لم يدفع شيئاً، فهو قال هذا
 بلسانه ولم يصدق هذا بعمله..
 
﴿ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ﴾
لماذا راءى؟ قال:
﴿ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
 
لو آمن بالله واليوم الآخر لما احتاج إلى أن يرائي الناس، ولما احتاج إلى أن يظهر عمله الصالح أمامهم، ولما احتاج إلى أن ينتزع إعجابهم، ولما احتاج إلى أن يذكِّرهم بعمله كي يثنوا عليه أكثر وأكثر.
 
إذا أنفقت من مالِك ولم تشعر بسعادةٍ معنى ذلك أن الإخلاص ضعيفًٌ :
 
قال تعالى:
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ ﴾
 
أي حجر أملس عليه تراب، هذا التراب هو العمل الصالح..
 
﴿ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ﴾
 
جاء مطرٌ غزير، فأزال التراب عن هذا الحجر، فرجع الحجر صلباً أملس لا تراب عليه..
 
﴿ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾
 
هذه الآية تنقلنا إلى حقيقةٍ دقيقة: أنك إذا عملت الصالحات، ثم عملت الصالحات، وأنفقت من مالِك، وخدمت الناس، ولم تشعر بسعادةٍ إطلاقاً، فمعنى ذلك أن الإخلاص ضعيفٌ جداً، وأنك تبتغي بهذا
 إرضاء الناس، وكسب ثنائهم، أما إذا أردت الله عزَّ وجل، لا تحتاج إلى كل هذا.
 
من لم يحقق لنفسه شيئاً من مرضاة الله فهو بعيد عن الإيمان بالله :
 
قال تعالى:
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ ﴾
حجر..
﴿ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ﴾
مطرٌ..
﴿ فَتَرَكَهُ صَلْداً ﴾
أملس..
﴿ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ﴾
 
أي لا يقدرون على شيءٍ من الإقبال على الله مما كسبوا من معاصٍ لأنهم منافقون، بمعنى آخر: لم يحققوا لأنفسهم شيئاً من مرضاة الله تعالى لأنهم بعيدون عن الإيمان بالله، الإيمان الذي يحملك على
 الإخلاص له..
 وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾
والمنافقون في الأساس هم كافرون.
 
المال بيد المؤمن له دورٌ كبيرٌ وخطير :
 
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾
 
يا أخوان: المال بيد المؤمن له دورٌ كبيرٌ وخطير، أنت بإمكانك أن تعزز مكانتك عند الله بإنفاق المال، بإمكانك أن تصطلح مع الله بإنفاق المال، بإمكانك أن تكفِّر بعض السيئات بإنفاق المال، بإمكانك أن
 تعلو مكانةً عند الله بإنفاق المال..
﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ﴾
 
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً﴾
[ سورة الإنسان ]
لا يبتغون بإنفاق المال إلا وجه الله تعالى. إلهي أنت مقصدي ورضاك مطلبي، إذا كنت عنا راضياً فهو قصدنا..
فليتك تحلو والحياة مريرةٌ   وليتك ترضى والأنام غضاب
*  *  *
الإخلاص معه سعادة لا توصف لأن الإخلاص يرقى بالعمل إلى الله سبحانه، أنت حينما تعمل عملاً مخلصاً به فهذا العمل يصعد إلى الله، فإذا صعد العمل إلى الله يعود عليك من الله أنوارٌ تقذف في قلبك،
 وراحةٌ تتلبَّسها نفسك، تشعر بسعادة كبيرة جداً، فالذي يعمل عملاً صالحاً مخلصاً لا يشعر بحاجة إلى ثناء الناس، ولا إلى شكرهم، ولا إلى مدحهم، هو في غنىً عن كل ذلك، لأن الله ملأ قلبه أمناً
 وطمأنينةً، وملأ قلبه سعادةً.
 
بإنفاق المال يثبِّت الإنسان لنفسه مكانة عند الله :
 
قال تعالى:
﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾
 
أي أراد أن يثبِّت لنفسه مكانة عند الله بإنفاق المال، لذلك أنفق المال فيما بينه وبين الله، أنفق المال بيمينه ولم تدرِ شماله ماذا أنفقت يمينه، أنفق المال سرَّاً، أنفق المال بلا ضجيج، أنفق المال فيما بينه وبين الله،
 ثبَّت مركزه عند الله بإنفاق ماله.
أحياناً يمرض مدير دائرة ما، فبعض الموظَّفين يذهب إلى المستشفى ومعه باقة ورد، لو سألته بعمق: لماذا فعلت هذا؟ يقول: أردت أن أعزز مكانتي عند المدير، ولسان حاله يقول: أنا موظَّف مخلص، يؤلمني ما
 يؤلمك، وقد تقرَّبت إليك بهذه الهدية..
﴿ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ﴾
(الطل) هو الندى..
﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
 
أي أن الطل يكفيها، والوابل يغنيها، كإنسان أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم. يا أخوان هذا الشيء بيد الناس جميعاً، وربَّ درهمٍ سبق ألف درهم، درهمٌ تنفقه في إخلاص خيرٌ من مئة ألف
 درهم ينفق في رياء، درهمٌ تنفقه في حياتك خيرٌ من مئة ألف درهم يُنفَق بعد مماتك، قد يُنفَق وقد لا ينفق بعد الموت، فأنت حينما تنفق المال تبغي تثبيتاً من نفسك عند الله عزَّ وجل.
بالمناسبة، يمكن أن تنفق القليل وهو عند الله كثير، فإذا كنت صغيراً، ولك دخلٌ محدود، أو ليس لك دخل، لكن معك مبلغٌ من أبيك فأنفقته هذا يعدل عند الله ملايين، فقيمة المال بمعناه لا بحجمه. أي إن
 جاء الوابل ـ المطر ـ آتت أكلها ضعفين، وإن لم يأتِ الوابل فالطل يكفيها.
 
إنفاق المال رئاء الناس يجعله الله يوم القيامة هباءً منثوراً :
 
يا أيها الأخوة، أما الشيء الخطير:
 
﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾
 
ما قولك: إنسان بمجلس، بحفلة أنفق مليوناً، وشخص آخر أنفق مئة ألف، دفعها وهو في أمسِّ الحاجة إلى هذا الإنفاق، فيوم القيامة ينظر إليه وقد جعله الله هباءً منثورا، بطل عمله، ينظر إلى عمله الذي
 راءى فيه الناس، أنفق ماله رئاء الناس، فإذا الله عزَّ وجل قد جعله هباءً منثوراً لأنه ما أخلص، كما لو أن إنساناً..
 
﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ ﴾
 
بستان رائع جداً من نخيل، والنخيل من الأشجار المعمرة، وقد تعيش ستة آلاف عام..
 
﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾
 
أيْ: ينبوع ماء غزير، ماء رَقْراق، بستان جميل، أشجار مثمرة، بستان له رَيْع كبير، لو ضمَّن فاكهته لضمَّنها بأموال طائلة.
 
الإنسان المرائي المنافق لا قيمة لطاعته إطلاقاً :
 
قال تعالى:
﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ ﴾
تقدَّم في السن، فعجز عن العمل..
﴿ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ﴾
أولاد صغار كثيرون..
﴿ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ﴾
 
أي بعدما أصابه الكِبَر، وبعد أن قبع في البيت، وبعدما عجز عن الكسب، كل أمله بهذا البستان ذي الثمار اليانعة والموارد الكبيرة، وهو في أمس الحاجة إلى هذا البستان، وإلى فاكهته ورَيْعِه، أصاب هذا
 البستان إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت أشجاره، وذهب كل ثمر هذا البستان.
﴿ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ﴾
 
تشبيه رائع جداً، فقد يخيب أملك إذا كنت ترجو عملاً صالحاً مقبولاً وأنت في أمس الحاجة إليه، ثم قد يُحْبَط عملك وأنت في أمس الحاجة إلى هذا العمل.
(( ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار قالوا يا رسول الله مصلين قال نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون هنة من الليل فإذا عرض لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه))
[أبو منصور الديلمي عن أنس رضي الله عنه]
فإذا كان الإنسان فيما بينه وبين الله يعصيه، وفيما بينه وبين الناس يطيعه، هذا إنسان مراءٍ منافق لا قيمة لطاعته إطلاقاً، هو يطيعه ليحفظ مكانته عند الناس، لا يطيعه محبةً له، ولا يجتنب المعاصي خوفاً منه
 بل خوفاً على سمعته، إذاً فهذا إنسان لا قيمة له عند الله.
 
الله طيبٌ ولا يقبل إلا طيباً ولا يقبل منك نفقةً إلا إذا كانت من مالٍ حلال :
 
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
 
أي إن الله طيبٌ ولا يقبل إلا طيباً، لا يقبل الله منك نفقةً إلا إذا كانت من مالٍ حلال، ومن كَدٍ حلال، ومن سعيٍ حلال، أما الذي ينفق ماله من أموال ليست حلالاً، وليس كسبها مشروعاً، لعله أنفق من
 مالٍ رِبَوِيّ، أو من فائدة مالٍ رِبوي، يقول الله عزَّ وجل:
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾
 
أنفق المال الحلال، أنفق الرزق الحلال الذي سعيت لجلبه بطريقٍ مشروع..
 
﴿ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾
 
أي: زكاة الزروع..
 
﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ ﴾
 
أكثر الناس يقدم الشيء السيئ، صدقوا أنه في رمضان إنسان قدَّم لمسجد أحذية كي توزَّع على سبيل الزكاة، كل فردة نمرة، جمع من محله التجاري خلال عام النماذج غير الصحيحة، إحدى الزوجين
 أربعين والأخرى اثنين وأربعين، جمعها في كيس وأرسلها إلى مسجد، هذه أين مكانها؟ في الحاوية طبعاً، إنسان يقدِّم أحياناً ثياباً بالية، مستعملة استعمالاً كثيفاً عنيفاً، أين مكانها؟ في الحاوية، إنسان يقدم طعاماً
 تعافُه النفس، هذا شيء يتناقض مع كمال الإيمان.
 
الإنفاق في سبيل الله يجب أن يكون من شيء نفيس حتى يعوِّضكم الله أضعافاً مضاعفةً:
 
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا﴾
أي تقصدوا..
﴿ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾
 
أحياناً فاكهة في أول فسادها، أفأنت تشتريها بسعر عالٍ؟ لا. أبداً، لو كان كيلو التفاح ـ فرضاً ـ بخمسين ليرة، تشتري التفاح على وشك الفساد بخمسين؟ تقول له الكيلو بعشرة، هذا يستعمل لصناعة
 الخل، فالبضاعة السيئة لا يمكن أن تشتريها إلا بثمنٍ بخس..
 
﴿ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾
 
أي أن تقلِّلوا من قيمتها، أن تأخذوها بثمنٍ بخس..
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
 
هذا في الطعام كثيراً ما يقع، فتجد من يقدم طعاماً شبه فاسد، أو في أول فساده، هذا الطعام لا قيمة له عند الله عزَّ وجل، أَطعمْ الفقير طعاماً يشتهيه ويحبه، أعطه ثياباً يحبُّها، يلبسها مَزْهواً بها، لا تعطه ثياباً
 يلبسها مستحياً به.
 
﴿ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ ﴾
 
عن هذا العمل الذي تشوبه النقيصة..
 
﴿ حَمِيدٌ ﴾
 
أيضاً لو أنكم أنفقتم نفقةً من كسبكم الحلال من شيءٍ نفيس، كان يحمدكم ويعوِّض عليكم أضعافاً مضاعفةً.
*  *  *  * 
خصائص الشيطان :
 
أخواننا الكرام، يجب أن تتعلم الكثير عن خصائص الشيطان لتتجنبها.
 
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ﴾
 
حدثنا أخ كان والده من علماء دمشق، قال له: يا بني أدِّب نفسك. فقال له: كيف؟ قال: إذا أردت أن تنفق مئة، ثم جاءك وسواسٌ من الشيطان فقال: دعك من هذا الإنفاق، أعدْ هذا المال إلى جيبك.
 فعليك أن تعاقب نفسك، كيف تعاقبها؟ أنفق مئتين، كلما جاء الوسواس ليمنعك من أن تنفق أنفق الضعف بهذا تؤدب النفس وتعلمها ألا تتردد في الإنفاق في سبيل الله.
 
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ﴾
 
الشيطان كذلك يدعوك إلى الزنا، إلى اقتراف الحرام، إلى أن تملأ عينيك من حسناوات الطريق، إلى اقتراف المعاصي والآثام، يدعوك إلى الفحشاء، وإذا أنفقت مالك في سبيل الله أخافك من الإنفاق.
 
الله عز وجل أعطى الأنبياء العلم والحكمة لأنه يحبهم :
 
قال تعالى:
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
ففضل الله لا يُحَدّ..
﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
 
الحكمة أن تعرف الحق، الحكمة أن تعرف المنهج، الحكمة أن تحسن التصرف، الحكمة أن تقول كلمةً مناسبةً في الوقت المناسب مع الإنسان المناسب في القدر المناسب، هذه هي الحكمة، الحكمة أثمن شيءٍ
 تملكه، إنك بالحكمة تجلب المال وبالحمق تبدده، بالحكمة تسعد بامرأةٍ من الدرجة الخامسة وبالحمق تشقى بامرأةٍ من الدرجة الأولى..
 
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ﴾
 
والحكمة تُؤتَى ولا تؤخذ، تؤتى مكافأةً للمؤمن..
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
أيْ..
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾
 [ سورة القصص: 76 ]
أي أن الله أعطاه المال وهو لا يحبه، أعطى فرعون المُلك وهو لا يحبه، لكن أعطى الأنبياء العلم والحكمة لأنه يحبهم، فينبغي أن يكون عطاؤك من الله عزَّ وجل من نوع عطاء الأنبياء..
 
﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
 
والحمد لله رب العالمين

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب